ابال زيسر
الظلام الذي يحيطنا منذ 7 أكتوبر هو نتيجة حاصلة ومفهومة للكارثة التي وقعت علينا، كارثة تكمن في القصور والفشل وليس في الخلل. لكن حان الوقت لتبديد هذا الظلام والخروج إلى طريق جديد – قديم سرنا فيه، وبالأساس العودة للتفكير الكبير في طريقة المواجهة للتحديات التي تقف أمامها إسرائيل اليوم.
عشية 7 أكتوبر، كانت إسرائيل ترى نفسها قوة عظمى إقليمية قوية وواثقة وذات الجيش الأقوى في منطقتنا، واستخبارات هي من بين الأقوى في العالم. غير أننا من ذاك المستوى العالي سقطنا إلى الدرك الأسفل. لكن مع مرور الصدمة الأولى، يتبين بأنه رغم أن الكثير من الإسرائيليين يستصعبون الاعتراف بذلك، وبأن إسرائيل لا تزال قوية وذات عظمة وقدرات، ينبغي الافتراض بأنه لو لم تكن تفرض قيود علينا (فرضنا بعضها عن حق على أنفسنا وبعضها فرضه العالم علينا) لكان الحسم في غزة وحيال حزب الله في لبنان سريعاً وساحقاً. هذا ما يعرفه أصدقاؤنا، ولدينا الكثيرون كهؤلاء، وأعداؤنا أيضاً.
لكن التحدي الذي تقف أمامه إسرائيل اليوم ليس فقط تبديد السحابة التي هبطت، علينا ولا حتى التحقيق واستخلاص الاستنتاجات من الفشل ومحاسبة المسؤولين عن القصور، بدءاً برئيس الوزراء وانتهاء بحارس الكتيبة، لكن التحدي هو التحرر من الشلل والجمود الفكري اللذين نعيشهما منذ سنين.
فمع كل الاحترام لتصفية محمد ضيف، مثلما هي أيضاً تصفية قاسم سليماني أو رئيس أركان حزب الله عماد مغنية، فإن لكل إرهابي بديل، وليست التصفيات أو الهجمات الموضعية الخفية في سوريا والعراق وإيران هي التي سترجح الكفة في صراع الأجيال الذي نعيشه.
في حرب الاستقلال، بينما كان قادة الجيش مشبوهين بحماية وتنظيم القوافل للمستوطنات المعزولة، كان لنا رئيس وزراء هو أفضل ما عرفته الدولة، لقد فكر بشكل كبير ولمسافة بعيدة، وبدلاً من الغرق في معارك دفاع عديمة الجدوى، وضع أساساً للخطة “د” بأخذ المبادرة والانتقال من الدفاع اليائس إلى الهجوم واحتلال أراضي العدو، وهكذا حقق النصر في الحرب.
أما في الخمسينيات، بينما كان الجيش الإسرائيلي منشغلاً بالأمن الجاري، وبالرد التكتيكي على هجمات إرهاب الفدائيين من غزة أو من أراضي الأردن، فقد فكر بن غوريون بتعابير عصف المنظومات الإقليمي، وإلى جانب موشيه دايان، رئيس الأركان الذي حول الجيش الإسرائيلي إلى جيش مبادر وقتالي، فكرا معاً بحملة السويس التي قلبت الجرة رأساً على عقب، وأزالت التهديد الذي شكله الرئيس المصري جمال عبد الناصر على إسرائيل، وبهذا ضمنت الهدوء على الحدود سنوات طويلة.
وأخيراً، يمكن انتقاد مناحم بيغن وأرئيل شارون بالخروج إلى حرب لبنان الأولى، في هدف طموح للتغيير من الأساس الواقع الإقليمي الذي كنا نعيشه في حينه؛ إذ تبين في نظرة إلى الوراء أن الجمهور الإسرائيلي لم يكن مستعداً لدفع ثمن الجهد لتغيير الواقع في منطقتنا، الثمن الذي من قد يدفعه بفائدة مضاعفة بعد سنوات من ذلك. لكن لا يمكن التأثر لمحاولة التفكير بعمق وبشكل كبير في مشاكل أمن إسرائيل وإيجاد جواب استراتيجي شامل له.
اليوم أيضاً، رغم الضربة التي تعرضنا لها، فإننا نملك القدرة على المبادرة إلى خطوات استراتيجية، وكل ما نحتاجه هو جرأة ورؤية تركز على الغابة وليس على الأشجار. هكذا مثلاً نسأل: هل يعد استمرار حكم بشار الأسد مصلحة لإسرائيل أم ينبغي العمل، إذا لم نفوت الفرصة، على إسقاطه وبذلك إيقاع ضربة على إيران وعلى حزب الله؛ هل استمرار حكم حماس في القطاع مصلحة إسرائيلية أم علينا احتلال القطاع وحكمه – خطوة ستكون كلفتها أدنى بكثير من استمرار حرب الاستنزاف التي نحن فيها أو من هجوم 7 أكتوبر إضافي.
ينبغي إذن العودة للتفكير مثلما كنا ذات مرة، بشكل كبير، وألا نخاف من المبادرة إلى خطوات استراتيجية تحسن مكانتنا وأمننا، لا أن تكتفي ببقاء سياسي أو خدمة مصالح شخصية، مثلما يحصل اليوم.