عن القدس العربي :
نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقالاً لمدير برنامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرّف بمعهد الشرق الأوسط، تشارلس ليستر، قال فيه إن جهود التطبيع العربية مع بشار الأسد زادت الوضع في سوريا سوءاً، وجعلت البلد أقل استقراراً.
فقبل ثلاثة أشهر، بدأت السعودية التطبيع مع نظام الأسد داخل الشرق الأوسط، وتطلعت أن يذهب أبعد منه. وزار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان العاصمة دمشق، في 18 نيسان/إبريل، وبعد شهر استقبلت الجامعة العربية واحداً من أشهر مجرمي الحرب في قمتها، التي انعقدت يوم 19 أيار/مايو.
ظهرَ الملك عبد الله الثاني كمهندس مهم في خطة لتطبيع العلاقات مع الأسد، وأعدَّ “ورقة بيضاء” وزعت في المنطقة وكذا في موسكو وواشنطن.
ويقول الكاتب إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإن كان هو الذي حفَّزَ هذا التحول، إلا أن جذوره أعمق، فقد أعادت الإمارات العربية المتحدة العلاقات مع دمشق في 2018، وكانت تدفع الآخرين إلى عمل الأمر نفسه.
ويعتقد الكاتب أن قرار المنطقة التعامل مع الأسد من جديد مهمٌّ جداً، لأنه جاء بعد مقتل نصف مليون، أو يزيد، و340 هجوماً كيماوياً، وتدمير أكثر من 82.000 منزل، وحصار عدة مدن وبلدات على طريقة القرون الوسطى، وأكثر من هذا. ولم تجمع الدول الأعضاء على القرار، حيث عارضتْه قطر بقوة، وتبعتْها الكويت والمغرب.
لكن الشرق الأوسط يعمل من خلال الإجماع العام، لا الإجماع التام، وغيّرَ قرارُ محمد بن سلمان بالتوجّه نحو سوريا كل شيء. وخارج الشرق الأوسط، لا تزال فكرة التوجه نحو سوريا مقترحاً غير مستساغ، ولا توجد أية أدلة على تقدم أوروبي نحو سوريا، ولم تغير واشنطن من موقفها، مع أن بعض المسؤولين البارزين في البيت الأبيض مَنَحوا الضوء الأخضر لعمليات التطبيع العربية مع دمشق. وبالنسبة للبعض في الإدارة، فإن أزمات الشرق الأوسط لا يمكن حلّها، كما أنها هامشية للمصالح الأمريكية، وأي جهد فيها سيكون مضيعة للوقت.
ومضت ثلاثة أشهر على زيارة وزير خارجية السعودية لدمشق وستعقد، في منتصف شهر آب/أغسطس الحالي، قمة لتقييم التقدم واتخاذ الخطوة المقبلة.
وبحسب مسؤولين من ثلاث دول بالمنطقة، فإن القمة بأكملها معلقة بالهواء، لأن الوضع ساءَ في سوريا، منذ نيسان/إبريل.
وواحد من الأسباب التي دفعت نحو التطبيع تحقيق الاستقرار في سوريا. ولأكثر من عقد، أنفق المجتمع الدولي مليارات من الدولارات على جهود الدعم الإنساني. وأكثر المناطق المحتاجة هي شمال- غرب سوريا، التي يعيش فيها 4.5 مليون نسمة يعتمدون كلياً على المساعدات. واستخدمت روسيا، في تموز/يوليو، الفيتو ضد تجديد اتفاق عمره 9 أعوام لنقل المواد الإنسانية عبر المعابر الحدودية، بشكل أدخل المنطقة في وضع غير معروف. وأعلن النظام بعد أيام من الفيتو الروسي عن جهود لفتح معبر آخر، لكن الشروط التي وَضَعَها جعلت من تحقيق العرض وتنفيذه أمراً مستحيلاً. وحتى لو فتح المعبر فلن يوفر الدعم الذي توفر لمناطق الشمال من دون أي معوقات حسب الاتفاق السابق.
أما الموضوع الثاني وراء جهود التطبيع فهو مادة كبتاغون، التي تهرّب من سوريا إلى دول الجوار، وبخاصة السعودية والأردن. وهي مادة إمفيتامين غير شرعية تنتج على قاعدة واسعة، ويشرف عليها رموز بارزون في نظام الأسد. وصودرت في الفترة ما بين 2016- 2022 أكثر من مليار حبة كبتاغون حول العالم، ومعظهما في منطقة الخليج.
ومن خلال فتح العلاقات مع الأسد، كانت دول المنطقة تأمل بإقناعه وقف التجارة. ونظراً لهامش الربح للحبة، التي يكلف إنتاجها عدة فلوس، وتباع في الخليج بعشرين دولار، فقد تعهد النظام السوري لحكومات المنطقة، في أيار/مايو، بالحدّ منها كان أمراً يثير الضحك.
وفي لبنان يقوم الجيش اللبناني، الذي تموّله الولايات المتحدة، بالطرد القسري للاجئين، وأعلن الأردن عن قرب نهاية الدعم المالي للاجئين.
إلى جانب هذا، سجّلَ الاقتصاد السوري، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تراجعاً كبيراً، وفقدت الليرة المحلية نسبة 77% من قيمتها. وعندما زار الوزير السعودي دمشق كان الدولار الأمريكي يساوي 7.500 ليرة، أما اليوم فيساوي 13.300 ليرة. ومع استقبال الدول العربية له، والإعفاءات الأمريكية والأوروبية بعد الزلزال، فإن الاقتصاد السوري كان من المفترض أن يكون في حال أفضل. والعيب في النظام الفاسد والجشع الذي لم يهتم بالصالح العام. وأدى سوء الإدارة المالية وتقديم الأولوية للمخدرات إلى قتل الاقتصاد السوري، وللأبد.
وربما كان منظور التسوية الدبلوماسية قاتماً قبل ستة أشهر، إلا أن التطبيع الإقليمي قَتَلَه بالكامل. فالصورة هنا قاتمة، ولا أحد يجادل فيها، وتم تجاهل كورس من المحذّرين للتطبيع مع الأسد، وأنه سيرتد عكساً، وباتت الآثار واضحة للجميع.
وتكشف البيانات حول مصادرة كبتاغون في المنطقة أن الكمية التي صودرت منه، خلال الأشهر الماضية، وصلت قيمتها إلى مليار دولار. وتمت المصادرات في عمان والإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت والعراق والأردن وتركيا. واكتشفت السلطات الألمانية مركزاً لإنتاج الكبتاغون في جنوب البلاد، إلى جانب كمية من الحبوب قيمتها 20 مليون دولار و2.5 طناً من المواد الكيماوية المساعدة.
وفي موضوع اللاجئين، كانت دول المنطقة تأمل بأن يفتح التطبيع الباب أمام عودتهم إلى سوريا، فوجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في دول الجوار- 3.5 مليون في تركيا، و1.5 مليون في لبنان، و 700.000 في الأردن- وَضَعَ الكثير من الضغوط على الدول المضيفة. وكل الجهود بهذا الاتجاه غير منطقية، فكل اللاجئين هربوا من البلاد بسبب النظام. وأظهر استطلاع، أجرتْه الأمم المتحدة بعد مشاركة الأسد بقمة جدة، أن نسبة 1% فقط من اللاجئين تفكر بالعودة، العام المقبل. وحتى هذه النسبة ربما أعادت النظر وسط عمليات التطبيع المتسارعة مع النظام. وما يقوم به السوريون الآن هو السفر شمالاً، وبمعدلات وصلت إلى 150%، وأكثر من المسجلة عام 2021. ويواجه السوريون في الدول المضيفة مستقبلاً كئيباً، حيث أخذت بتطبيق سياسات لإكراههم على المغادرة.
ومع رغبة المنطقة برؤية سوريا مستقرة، يحكمها رجل قوي ويرحب باللاجئين، فإن الأشهر الثلاثة الأخيرة تقدّم قصةً مختلفة، أي التصعيد. فقد قُتل حوالي 15 شخصاً في محافظة درعا الجنوبية. وفي منتصف تموز/يوليو، حاصرت قوات النظام قرى في طفس، التي اتُهمت بمنح معارضي النظام ملجأ، قبل هدم 18 منزلاً كعقاب. وكان من المتوقع أن تكون درعا مثالاً للمصالحة مع النظام، لكن الوضعَ هناك كلُّ شيء غير المصالحة، حيث تنتشر الجماعات المسلحة والجريمة المنظمة والفوضى. وصعّدَ النظام من هجماته ضد مناطق شمال- غرب سوريا،فلم يكد الأسد يمشي على السجاد الأحمر في جدة حتى أغار الطيران الروسي على المنطقة، ولأول مرة منذ تشرين وأثّر التطبيع مع الأسد على الشراكة الأمريكية مع أكراد شمال- شرق سوريا، والتفاوض حول وضعهم في المستقبل. وتقوّت إيران وروسيا من عمليات التطبيع وزادت التقارير حول الخطط الإيرانية للهجوم، وزيادة التحرشات الروسية للطائرات الأمريكية بالجو. واستفادت الجماعات الإرهابية من الضغوط التي تواجه التحالف الأمريكي في سوريا. وفي الوقت الذي جلس فيه الأسد على مقعده في القمة، شن تنظيم “الدولة الإسلامية” أكبر عملية له منذ عام 2018. ونفذت الجماعة 61 هجوماً، ما بين نيسان/إبريل وتموز/يوليو، وقتلت 159 شخصاً في مناطق النظام. وعاد التنظيم للسيطرة على مناطق، ولو بشكل مؤقت، وهزمَ جماعات وكيلة عن النظام. ووسّعَ التنظيمُ مدى وصوله إلى دمشق، في تموز/يوليو، عندما زرعَ عبوة ناسفة في حيّ السيدة زينب، قتلت ستة أشخاص، وجرحت 23 آخرين.
أخيراً، قضت عمليات التطبيع، حتى لو كانت “مشروطة”، على أي أمل بمواصلة الجهود السلمية وحل النزاع. وبحسب مسؤول بارز في الأمم المتحدة، فقد أرسل الأسد رسالة إلى الأمم المتحدة قال فيها إنه لن يشترك في اللجنة الدستورية، أو أي جهود تسوية برعاية الأمم المتحدة أو القوى الإقليمية.