بعد إصدار محكمة "كوبلنز" حكم بإدانة المتهم إياد.ا بالسجن أربع سنوات ونصف؛ في المحاكمة التي جرت وقائعها منذ ما يقارب العام، وبعد كل ما أثاره القرار من ردود أفعال مختلفة، أجرى الزميل حسين جلبي لقاًء مع المحامي إبراهيم القاسم، أحد القريبين من أوساط المحاكمة، وأحد الفاعلين الحقوقيين الذين يعملون على ملف حقوق الانسان في سوريا، والعضو في مجموعة ملفات قيصر والمركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان، لتسليط الضوء على بعض جوانب القرار الصادر.
نبدأ من حيث انتهت إليه محكمة كوبلنز في إدانة المتهم الأول إياد.ا، وما أحدثه ذلك من شبه انقسام بين السوريين، بين من يرى الحكم انتصاراً للعدالة وبين من لم يرتح له، سواء لتواضع النتيجة أو حتى اعتبارها تجنياً، فهل ترى هذا الانقسام طبيعياً، بعد الأوضاع التي وصلت إليها في سوريا؟
ما يحدث حالياً من نقاشات واختلاف بالآراء أمرٌ متوقع، بسبب حجم المأساة السورية وطول مدة المعاناة. لكن برأيي حتى لا يكون هذا الشرخ موجوداً أو حتى لا يزيد، يجب النظر في هذه القضايا إلى حقوق الضحايا أولاً؛ دون الالتفات إلى هوية الجاني أو الراية التي ينضوي تحتها أو مكانته وصفته ورتبته، إلا من حيث تقرير العقوبة مع مراعاة تعاون الجناة بتقديم معلومات تساعد في تحقيق العدالة. البدء بأي نقاش عن هوية المتهم ورتبته وانتماءاته؛ سيضعنا أمام نفس الجدالات في كل قضية ستعرض على القضاء أو سنتناولها بالنقاش.
أنت تابعت مسار المحاكمة عن كثب، باعتبارك ناشط حقوقي مقيم في ألمانيا وعضو في المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان، هل يمكنك تقديم ملخص عن عملك وعن ذلك المسار، بدءاً من جمع الأدلة وصولاً إلى اصدار الحكم؟
بداية أنا عضو في مجموعة ملفات قيصر، وأتعاون مع عدد كبير من المنظمات السورية المعنية بحقوق الانسان ومنها المركز السوري للدراسات القانونية.
بدأت بمتابعة الانتهاكات والتحقيقات في ألمانيا منذ عام 2011، وبدأت التحقيقات بشكل رسمي في 2012، ثم أصبح عملي أكثر تحديداً في عام 2016 مع المركز الأوروبي وذلك على تشكيل الملفات والقضايا، وتم تقديم عدة شكاوى جنائية في ألمانيا والسويد والنروج والنمسا وفرنسا. كما تم إصدار عدة مذكرات توقيف دولية بحق عدد من كبار مسؤولي الحكم في النظام السوري؛ مثل جميل حسن وعلي مملوك وعبد السلام محمود في ألمانيا وفرنسا.
كمجموعة ملفات قيصر؛ قدمنا آلاف الصور للضحايا الذين قضوا في الأفرع الامنية، بسبب التعذيب الوحشي أو ظروف الاعتقال السيئة، كما تقدم أحد اعضاء المجموعة -سامي- بشهادته أمام السلطات المختصة. وقد أكد مكتب الادعاء العام الفدرالي الألماني وهيئة المحكمة؛ على الأهمية الكبيرة لهذه الأدلة ودورها في إجراءات المحاكمة.
فيما يتعلق بالدعوى المنظورة أمام محكمة "كوبلنز" الإقليمية في ألمانيا، فقد بدأت جلسات المحاكمة في نيسان (أبريل) من العام الماضي؛ بعد توقيف الضابط السابق أنور.ر، وصف الضابط إياد.ا، وبعد عدة جلسات تم الاستماع فيها إلى عدد من المدعين والشهود، قررت المحكمة الفصل بين الادعاء على المتهمين.
وفي جلسة اليوم 62 أصدرت المحكمة قراراها بإدانة المتهم إياد بالمساعدة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء عمله في فرع الخطيب، والحكم عليه بالسجن بعد تخفيف مدة العقوبة إلى أربع سنوات ونصف.
باعتبارك معتقل سابق في فرع فلسطين ومحام في سوريا، هل يمكنك أن تحدثنا عما لفت نظرك من ضمانات توفرت للمتهمين في محاكمة "كوبلنز"؛ مقارنة بالمعاملة التي يتلقاها المواطنون السوريون؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة إجراءات المحاكمة بين البلدين، فكافة الإجراءات المتبعة في محاكمة "كوبلنز" ضمنت للمتهمين كافة معايير المحاكمات العادلة، ناهيك عن مكان التوقيف وسهولة التواصل مع الأهل والمحامين وحق الدفاع.
قياساً على اعتبار المحكوم عليه إياد.ا شاهداً قبل تحوله إلى متهم والحكم عليه، هناك من طالب بعدم الاستغراب إذا ما تمت محاكمة قيصر في المرحلة المقبلة، (باعتباره حمل أدلة إدانته بيده)، هل ترى هذا الاحتمال وارداً؟
ليس كل من كان يعمل في أجهزة النظام السوري ارتكب انتهاكات، الأمر ليس بهذه البساطة. إياد.ا لم تتم إدانته فقط لمجرد عمله السابق في أجهزة المخابرات التابعة للنظام، وإنما لدوره المساعد في ارتكاب جرائم ضد الانسانية. والمفيد هنا تكرار ما سبق وذكرته سابقاً، من ضرورة الأخذ دائماً بعين الاعتبار؛ وجود انتهاكات لحقوق الضحايا ودور كل شخص في هذه الانتهاكات بصرف النظر عن هويته. على الصعيد الشخصي، أنا أدعم كل الضحايا في سوريا في كافة مطالبهم، بغض النظر عن المنتهك وهويته.
لماذا تم الفصل بين محاكمة المتهمين، وكم من الوقت يمكن أن تستغرقه محاكمة الضابط أنور.ر، هل تتوقع حسب الأدلة المتوفرة أن تكون هناك إدانة له أيضاً؟
رأت المحكمة ان المسارين منفصلين، وأن التهم الموجهة إلى كليهما يمكن الفصل بينهما، ناهيك أن التهم الموجهة للمحكوم عليه؛ هي أقل من التهم للآخر ولا تستوجب تلازم مسار المحاكمة. من المتوقع أن تنتهي جلسات المحاكمة في الشتاء القادم، ولكن يبقى ذلك مجرد توقع قابلاً للتغيير، وأستطيع أن أقول بأن الأدلة المتوفرة لإدانة المتهم أنور.ر كثيرة وقوية، ناهيك عن رتبته ومهامه ومسؤولياته وصلاحياته.
صدر قرار مؤخراً في ألمانيا يدور حول عدم اعفاء المرؤوس من العقاب، في حال ادعاءه بإنه أضطر إلى ارتكاب الجرم بسبب وظيفته وبناء على أوامر من رئيسه، هل لهذا القرار صلة بالمحاكمة الحالية؟ ألا يعتبر مثل هذا القرار سبباً في منع انشقاق مزيد من العناصر عن نظام الأسد؟
موضوع الانشقاق والنقاشات حوله تكرر كثيراً خلال السنوات الماضية، وقد توقفت عمليات الانشقاق منذ سنوات، ومع ذلك الانشقاق من حيث المبدأ لا يعفي من المسؤولية عن الجرائم المرتكبة قبله. إلا أن السلطات المختصة تنظر دوماً إلى تعاون المنشقين؛ وتقديمهم معلومات تساهم في سير الإجراءات القضائية والتحقيقات، وهذا ما حدث عملياُ في القرار الصادر بحق إياد.ا، حيث أن المحكمة خففت العقوبة بحقه؛ بسبب تقديمه معلومات ساهمت في سير الإجراءات القضائية.
كان الحضور السوري في المحاكمة كبيراً، هل ترى هذا الاهتمام أمراً صحياً، ما هي السلوكيات التي ارتكبها البعض وقد تعتبر في سوريا أمراً عادياً أو غير مؤثر، لكنها لا تتناسب مع كون المحاكمة تجري في بلد أوربي؟
الحضور الكبير يعكس الاهتمام بعملية العدالة والمحاسبة في سوريا، وأعتقد أن وجود المحاكمة في مدينة "كوبلنز" حد من عدد الحضور، بسبب قلة تواجد السوريين في المدينة، وبُعدِها عن التجمع الأكبر لهم وهو مدينة برلين.
بعض السلوكيات كانت غير مقبولة، فرغم تأكيد هيئة المحكمة على منع التصوير ومنع إدخال الهواتف النقالة أثناء الجلسات، خالف بعضهم مثل هذه التعليمات، رغم علمهم بعدم قانونية ذلك.
لماذا تجري محاكمة عدد قليل من الأفراد مقارنة بجرائم كبيرة ضد الانسانية في سوريا، ووصول أعداد كبيرة من مرتكبي الانتهاكات إلى أوروبا؟ هل نجح مرتكبو الانتهاكات في اخفاء أنفسهم والتخلص من أدلة إدانتهم؟
المحاكمات الجارية حالياً تصنف ضمن دعاوى التقاضي الاستراتيجي، والتي لا يتوقع أن يكون عددها كبيراً. ناهيك أن هذه الدعاوى تتضمن جرائم دولية، مما يجعل الإجراءات أكثر تعقيداً وطولاً في المدة؛ بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لمثل هذا النوع من الدعاوي.
وحتى تتم هذه الإجراءات بسهولة، ينبغي وجود الجناة والضحايا مع الأدلة الكافية لفتح التحقيقات وبدء المحاكمات، ومتى توفرت هذه الأركان أصبحت الاحتمالية أكبر.
ما هي أهمية محاكمة "كوبلنز"؟ هل ستكون سابقة يمكن أن تحتذي بها دول أوربية أُخرى، خاصةً أن البحث عن مرتكبي الانتهاكات في سوريا لا يزال مستمراً؟ وما هي الاجراءات اللازمة لإجراء مثل هذه المحاكمة، هل يمكن لأفراد المطالبة بتقديم ضباط سابقين للمحاكمة؟
أهمية محكمة "كوبلنز" تتلخص في كونها سابقة، تجري بحق أحد الضباط السابقين في مخابرات النظام السوري، وهي الأولى من نوعها في هذا السياق. ومن المفيد هنا التنويه إلى أن هذه الدعاوى ليست الأولى من نوعها في الدول الأوروبية، حيث سبقها عدد آخر بحق أشخاص تم اتهامهم بارتكاب جرائم دولية في سوريا، ولكنهم ينتمون إلى جهات أخرى، مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وجبهة النصرة والفصائل المسلحة الأخرى.
أما بالنسبة لإمكانية الأفراد بتقديم ضباط سابقين للمحاكمة، بالأمر متاح للجميع وبجميع الوسائل.
ما هي انعكاسات محاكمة "كوبلنز" عليك شخصياً، كمواطن سوري وكضحية تعذيب في سوريا وكمحام باحث عن العدالة، هل ستكون الأمور بعد الحكم مثلما كانت قبله؟ حدثنا من فضلك عما يتعرض له من يعمل على مثل هذه القضايا من مضايقات قد تصل إلى حد التهديد بالقتل؟
أفضل عدم الاجابة عن هذا السؤال، حيث لا أرغب في الحديث عن نفسي، نظراً لطول الموضوع وتشعبه، وحتى لا يتم صرف النظر عن القضية الأساسية.