"قمر دمشق" يضيء ليل القيمرية: استعادة لنزار قباني الثائر في قلب مدينته المحررة

ميساء الشيخ حسين
الخميس, 18 ديسمبر - 2025
المصدر: مراسلين
المصدر: مراسلين

في قلب دمشق القديمة، حيث تفوح رائحة الياسمين والتاريخ، احتضن مقهى "فندق القيمرية" باكورة فعاليات منتدى "القيمرية" الثقافي، عبر عرض الفيلم الوثائقي "قمر دمشق". العرض لم يكن مجرد استعادة أدبية، بل جاء كفعل مقاومة ثقافي يربط بين ذكرى تحرير سوريا وإرث الشاعر الراحل نزار قباني، الذي صاغ بكلماته وعي أجيال من السوريين التواقين للحرية.


نزار قباني: صوت التمرد والمنفى

ركزت الفعالية على استحضار الوجه الآخر لـ "شاعر المرأة"، وهو نزار قباني المثقف السياسي والمتمرد. فبينما كان الفيلم (من إخراج نضال قوشحة وإنتاج شركة الغانم) يطوف بكاميرته في منزل الشاعر بـ "مأذنة الشحم"، استحضر الحاضرون تلك القصائد التي زلزلت عروش الاستبداد وفضحت الفساد السياسي.


لقد شكلت قصائد نزار المعارضة خطاً بيانياً واضحاً في مسيرته؛ فهي التي زرعت الفكر الحر في الوجدان الشعبي، وهي ذاتها التي دفع ثمنها غياباً قسرياً عن دمشق التي عشقها. هذا الخط السياسي الصلب، الذي رفض المهادنة، هو ما جعل نزار يمضي سنواته الأخيرة في المهجر، بعيداً عن أزقة الشام، ليموت غريباً عن الأرض التي لم تغادره قصائده يوماً.


محاور الإبداع: من العروض إلى النضال البصري


تجاوز الفيلم السرد التقليدي ليغوص في ثلاثة أبعاد شكلت ظاهرة نزار قباني:

 

الثورة اللغوية: 

تناول الناقد محمد رضوان الداية تجديد قباني في الموسيقى الشعرية (بحر الرجز)، وكيف طوع اللغة لتخدم الفكر المتمرد.


 الصورة واللون: 

حلل الناقد سعد القاسم الأبعاد البصرية في أشعار نزار، وكيف تحولت كلماته إلى لوحات تشكيلية تضج بالحياة والموقف.


 الحنجرة العربية:

 استعرض المؤرخ أحمد بوبس كيف تحولت قصائد نزار السياسية والعاطفية إلى أناشيد صدحت بها حناجر كبار المطربين (من أم كلثوم وفيروز إلى كاظم الساهر)، لتصبح جزءاً من الذاكرة الجمعية العربية.


منتدى القيمرية: فضاء جديد للحرية

أكدت مديرة المنتدى، ميرا العايق، أن اختيار "قمر دمشق" ليكون الانطلاقة يهدف إلى خلق مساحة تعبيرية شاملة تعكس الهوية السورية المتجددة. فدمشق اليوم، عبر هذه المنصات الثقافية، تعيد لم شمل مبدعيها الذين فرقتهم السياسة والمنافي.


وقد أشاد الحضور، ومن بينهم الفنان محمد ناصيف، بالقدرة الفنية للفيلم على كسر جمود الوثائقيات، وتقديم وثيقة بصرية تليق بقامة وطنية بحجم نزار قباني، الذي وإن مات في غربته، إلا أنه عاد اليوم إلى دمشق "فاتحاً" بكلماته التي لا تموت.