تمثل البسطات المنتشرة على الأرصفة مشكلة متزايدة في العديد من المدن، إذ تُعد عائقًا كبيرًا أمام حركة المشاة، وخاصة في الشوارع الحيوية في دمشق الممتدة من أمام كلية الحقوق، وجسر الجرّيّة، وكراجات السيدة زينب. ويؤدي هذا الانتشار إلى اختناقات مرورية وفوضى عامة تعيق حركة المشاة وتؤثر سلبًا على النظافة العامة.
ورغم أن هذه البسطات تشكّل مصدر رزق أساسيًا للباعة وعائلاتهم، وتدعم الأسر ذات الدخل المحدود، فإن القرارات الحكومية المتعلقة بإزالتها أو نقلها تثير قلقًا حول مصير هؤلاء الباعة. وعلى الرغم من وجود وعود رسمية بتأمين أسواق بديلة، إلا أن التنفيذ يبقى محدودًا وغير فعّال، كما أن تطبيق قرارات الإزالة غالبًا ما يكون غير متساوٍ، مما يؤدي إلى عودة البسطات وتفاقم المشكلة، إضافةً إلى انتشار الأكشاك العشوائية.
انتشار البسطات وانخفاض الأسعار
تعد كلفة الإنتاج في سوريا مرتفعة نتيجة نقص خدمات البنية التحتية، خاصة الكهرباء والغاز، الأمر الذي جعل استيراد البضائع أقل كلفة من تصنيعها محليًا، وهو ما يضر بالمنتج المحلي على المدى البعيد.
.jpeg)
يقول باعة في منطقة البرامكة إن أسعار المواد المعروضة على البسطات منخفضة بشكل كبير مقارنة بالمحلات، وإن هامش الربح لديهم بسيط ويعتمد على كمية المبيعات. وانخفضت الأسعار أكثر بعد 8 كانون الأول 2024، حيث عمل كثير من الباعة على جلب بضائعهم من مناطق شمال غربي سوريا (إدلب وريف حلب الشمالي)، سواء كانت مصنّعة هناك أو مستوردة من مصانع السوريين في جنوب تركيا.
وتقول إحدى المتسوقات إن أسعار البضائع على البسطات أقل بكثير من أسعار المحلات، وفي بعض الأحيان تصل الفروق إلى ثلاثة أضعاف لصالح البسطة، ورغم أن جودة البضائع ليست ممتازة، إلا أنها جيدة إلى حد معقول وتناسب الفئات ذات الدخل المحدود.
مطاردة بين البسطات والبلدية
أثناء تجوّل فريق "السوري اليوم" بين البسطات، بدأ أصحاب العربات فجأة بدفع عرباتهم والهرب بسرعة نحو الأزقة، فيما حمل آخرون بضاعتهم وهم يركضون دون معرفة سبب واضح. وبعد السؤال، قال أحد الباعة وهو يجمع بضاعته على عجل:
"إنها البلدية... سنخالف أو تُصادر البضاعة."
وخلال لحظات، سُمع صوت تحطم زجاج، ليتضح أن أحد الهاربين أسقط بضاعة زجاجية أثناء محاولته الفرار.
التقت "السوري اليوم" أحمد قدور كحلوس، الذي فقد أخاه في معتقلات الأسد، ويعمل معلّم شاورما وفروج مسحب سابقًا. فقد عمله ولم يجد فرصة جديدة، فاستدان مبلغًا ليقيم بسطة شاي ودخان في منطقة الزبلطاني، ليعيل والده الثمانيني وعائلته وأخيه من ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما يعيش في منزل مستأجر. صادرت البلدية بسطته، واليوم يناشد لإيجاد حل يسمح له باستعادتها ومتابعة عمله.

بيان محافظة دمشق
قالت محافظة دمشق إنها، بعد تأمين العديد من المواقع كأسواق بديلة عن الإشغالات، ستتخذ إجراءات صارمة بعد انتهاء المهلة المحددة لإزالة البسطات المخالفة، نظرًا لما تسببه من عرقلة لحركة السير وتشويه المشهد العام للمدينة.
وأكدت المحافظة التزامها بعدم السماح بعودة أي مظهر من مظاهر الفوضى أو التعدّي على الأملاك العامة، مشيرةً إلى أنها خصصت أكثر من عشرة مواقع موزعة على أحياء العاصمة لاستيعاب البسطات وتنظيمها.
كما أمهلت المحافظة أصحاب البسطات لإزالة إشغالاتهم تحت طائلة الإزالة والمصادرة، وحددت المواقع الجديدة كساحات بيع بديلة تهدف إلى تنظيم عمل الباعة وخدمة المواطنين بشكل أفضل.
خطة المحافظة والمواقع البديلة للبسطات العشوائية
بعد إعلان محافظة دمشق الانتهاء من تجهيز المواقع البديلة، طُلب من أصحاب البسطات إخلاء مواقعهم في الشوارع بعد تأمين بدائل مناسبة، وذلك بهدف تحسين السلامة العامة وتنظيم الحركة المرورية.
المواقع المخصصة تشمل:
السويقة – جانب المؤسسة العامة للتبغ
حديقة ابن عساكر
الزاهرة – شارع برج سيرياتل
ثانوية عصام كعور
كراج صيدنايا – مقابل دائرة خدمات سوق الهال
حديقة دوار المطار – قرب مخفر الشاغور
الزاهرة – جانب جامع الرضا
ساحة الوسيم – جانب جامع الوسيم في شارع اليرموك
ركن الدين – جانب مستشفى ابن النفيس
مساكن برزة – ساحة قره جولي
دمشق القديمة – مقابل دوار المطار
كفرسوسة – الساحة قرب نادي المحافظة
مواقع بديلة غير مناسبة
.jpeg)
يشكو العديد من أصحاب البسطات من بُعد المواقع البديلة التي خصصتها المحافظة، ويصفها بعضهم بأنها "في الصحراء"، مؤكدين أن الوصول إليها يحتاج وقتًا ونقودًا إضافية، مما أدى إلى انخفاض كبير في حركة البيع وبالتالي في الأرباح.
ويضيف أحد الباعة أن الغالبية العظمى من أصحاب البسطات هم من الذين فقدوا أعمالهم، أو من كبار السن الذين لا تكفيهم مستحقات نهاية الخدمة، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلًا عن أن كثيرًا من العائلات تعتمد بشكل كامل على دخل هذه البسطات، خصوصًا في بيع الألبسة المستعملة التي أصبحت حاجة أساسية لعدد كبير من الأسر.
مقترحات وتجارب
يقترح السيد حسين المصري نقل بسطات كراج السيدة زينب إلى حديقة ابن عساكر، وتحويل الكراج إلى ساحة مخصصة للسيارات فقط. ويضيف أنه يمكن بناء مظلات حديدية لحماية البضاعة، بحيث تتحول هذه المواقع إلى مواقف سيارات بعد انتهاء ساعات السوق، مستشهدًا بأن هذه التجربة مطبقة في تركيا بنجاح كبير وتعطي مظهرًا حضاريًا للمدينة.
ويتابع:
"بات السير على الرصيف أمرًا شبه مستحيل، خاصة أمام كلية الحقوق في البرامكة، وحلول المحافظة غير منصفة لأصحاب البسطات ولأصحاب الدخل المحدود"
تسعى محافظة دمشق لتنظيم الأسواق الشعبية والحد من العشوائية، لكن يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الخطط في تحقيق التوازن بين حقوق الباعة ومصلحة المستهلك؟
وتدعو المحافظة اليوم أصحاب البسطات للتوجه إلى المواقع المحددة لاستكمال إجراءات الاستلام من قبل اللجان المختصة.