بيانات الولادة تحدد مستقبل الطلاب العائدين الى سورية

جيهان الخلف
الأربعاء, 29 أكتوبر - 2025

بعد سنوات من النزوح، عاد آلاف السوريين إلى بلادهم على أمل استعادة الاستقرار وبدء صفحة جديدة من حياتهم. غير أنّ فرحة العودة سرعان ما تبددت أمام تعقيداتٍ بيروقراطية أنهكتهم، لتتحول أحلامهم بالاستقرار إلى معاناةٍ جديدة تهدد مستقبل أبنائهم التعليمي.


تقف "شهادة الميلاد"، الوثيقة الروتينية، اليوم كحاجز حاسم يمنع الطلاب المولودين في تركيا ومناطق النزاع من استكمال دراستهم، وقد يحرمهم من التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية أو الحصول على نتائجهم النهائية.


مهلة من التربية لاستكمال وثائق الطلاب العائدين.. وتحذير من حرمان النتائج

عمّمت وزارة التربية والتعليم على مديرياتها في المحافظات ضرورة قبول الطلاب القادمين من الخارج في المدارس، ومنحهم مهلة حتى بداية الفصل الدراسي الثاني لاستكمال أوراقهم الثبوتية.


وأوضح الأستاذ بشار الأسعد، أحد الإداريين في مجمع ازرع التربوي، أن المجمع ملتزم بتنفيذ توجيهات الوزارة، مشيراً في الوقت ذاته إلى التحذير الواضح الوارد في التعميم، والذي يؤكد أن الطالب لن يُمنح أي وثيقة دراسية ما لم يستكمل أوراقه الرسمية.


ورغم أهمية هذا الإجراء في تسهيل اندماج الطلاب العائدين في العملية التعليمية، إلا أنه يضع أولياء الأمور أمام تحديات معقدة في استخراج "بيانات الولادة" من بلدان اللجوء، وهي مهمة تبدو شبه مستحيلة بالنسبة لكثير منهم.

 

قصص فردية تكشف تعقيدات البيروقراطية التركية

تواجه عائلات سورية كثيرة تعقيداتٍ إدارية متشعبة عند محاولتها استخراج وثائق رسمية من تركيا، أبرزها بيانات الولادة، التي تبدو في بعض الحالات شبه مستحيلة دون الحضور الشخصي لأحد الوالدين أو توفر البيانات الأصلية في السجلات.

من بين هذه القصص، قصة السيدة رئيفة الغزالي التي عادت إلى درعا في شباط/فبراير 2025، لتُفاجأ بطلب السلطات التعليمية تقديم بيانات ولادة لأطفالها المولودين في تركيا، رغم امتلاكها وثائق مدرسية رسمية مثل "ورقة الطالب (أورنجي بلكسي)" وكشف العلامات.

تقول رئيفة إن شقيقة زوجها المقيمة في تركيا حاولت مراراً استخراج الوثيقة من المستشفى وإدارة النفوس، إلا أن الطلب قوبل بالرفض، بحجة ضرورة مراجعة أحد الوالدين شخصياً. هذا الشرط، كما تضيف، يهدد مستقبل ابنها الأكبر بحرمانه من التقدم لامتحانات الصف الثالث الإعدادي، ليكشف بذلك عن معاناةٍ جديدة تضاف إلى سلسلة التعقيدات التي تواجه السوريين في معاملاتٍ تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها معقدة في تفاصيلها.


ولادة بلا هوية

تكشف قصة السيدة وضحة العبدالله جانباً آخر من معاناة اللاجئين السوريين في المخيمات. فابنتها وُلدت في مخيم سليمان شاه بمنطقة أقجة قلعة – تل أبيض، وهو المخيم الذي أُغلق بالكامل عام 2019 ولم يبقَ له أثر. وعندما حاولت الابنة تسجيل واقعة ولادتها في دائرة النفوس بأقجة قلعة، أُبلغت بأن لا وجود لأي سجلات تتعلق بمواليد المخيم، وتم توجيهها إلى مديرية الصحة، التي اشترطت حضور المعنيين شخصياً لاستكمال الإجراءات.


أمام هذا التعقيد الإداري، وجدت وضحة نفسها مضطرة للاستعانة بمحامٍ طلب منها مبلغ 300 دولار مقابل متابعة القضية، وهو مبلغ يفوق قدرتها المادية، خاصة بعد وفاة زوجها وحرمانها من مستحقاته المالية.


تعقيدات قانونية تدفع المنشقين وذوي الشهداء إلى حافة اليأس

يجد محمد الخلف، وهو منشق ومصاب حرب، نفسه اليوم في متاهة لا يعرف لها نهاية. فقد وُلد له ثمانية أطفال في ظروف متباينة، بين مناطق كانت خاضعة لسيطرة "الجيش الحر" وأخرى داخل مخيمات تركية متعددة، ما جعل مسألة استخراج الوثائق الرسمية لأسرته شبه مستحيلة.


يقول محمد، وقد بدت على وجهه ملامح التعب والخذلان، إنه لم يعد يعرف الجهة التي يجب أن يراجعها، مضيفاً: "يقولون لي استخرج أوراقاً مضروبة (مزورة) مقابل المال، لكني أخشى أن أخطو خطوة غير قانونية. أليست إصابتي وانشقاقي كافيين لتكون سبباً في مساعدتي؟ لدي وثيقة حماية، أليس من الممكن اعتمادها لإصدار أوراقي؟"


في جهة أخرى، تعيش أم ياسر مأساة مشابهة، وإن كانت بطابع مختلف. فحفيدها عدنان هو ابن شهيد انشق عن جيش النظام وتزوج خلال ذروة الأحداث عام 2012 دون أن يتم تثبيت الزواج رسمياً. واليوم، وبعد مرور أكثر من عقد على تلك الأحداث، تواجه أم ياسر سلسلة طويلة من الإجراءات القانونية المعقدة لاستخراج أوراق عدنان الرسمية، تبدأ بتثبيت زواج والديه، مروراً بإثبات نسبه، وصولاً إلى معاملة وفاة والده الشهيد.


تقول أم ياسر بصوت يختلط فيه الحزن بالعجز: "كل خطوة تحتاج إلى محامٍ ومصاريف لا طاقة لي بها. لماذا لا توجد عيادات قانونية مجانية كما في تركيا؟ أليس من واجب الحكومة الجديدة أن توفر حلولاً إنسانية لأبناء الشهداء؟ حتى الآن، لم نحصل على أي من حقوق ابني المالية."


 الحل الرسمي: قضاء شرعي وشهود

أوضح مدير النفوس العامة في دمشق، يوسف غانم، الإجراء المتاح حالياً داخل سوريا للحصول على بيانات ولادة للأطفال الذين وُلدوا في ظروف غير نظامية. وقال غانم إنّ على الأسرة المعنية مراجعة القصر العدلي مع شاهدين، لاستخراج بيانات ولادة من المحكمة الشرعية، ثم تقديمها إلى دوائر النفوس العامة لاستكمال الإجراءات ومنحهم القيود الرسمية.


ورغم أن هذا الإجراء قد يسهم في حل مشكلة تسجيل المواليد داخل سوريا، إلا أنه لا يشمل الأطفال السوريين المولودين في تركيا، حيث تحتفظ الدوائر التركية ببياناتهم، ما يتطلب تنسيقاً وإجراءات خاصة بين الجانبين.

وفي هذا الإطار، طرح الصحفي التركي جلال دمير، مدير "بيت الإعلاميين العرب"، حلاً وصفه بالجذري، يتمثل في أن تطلب الحكومة السورية رسمياً من الجهات التركية المختصة تزويدها بقوائم تتضمن معلومات المواليد السوريين المسجلين في تركيا، معتبراً أن هذا الإجراء هو الحل الأمثل لضمان حقوق هؤلاء الأطفال.


وتخشى آلاف الأسر السورية أن يتحول حلم العودة إلى وطن "تحرر من سنوات القمع والصراع" إلى كابوس، في حال ضياع حقوق أبنائهم التعليمية والمدنية، ما لم تتخذ الحكومة السورية خطوات استثنائية تتجاوز الروتين الإداري، وتباشر حواراً رسمياً مع الجانب التركي لتبادل البيانات الخاصة بالمواليد السوريين.