نيويورك تايمز تفتح ملف الاطفال المختفين قسريا في سوريا

ميساء شيخ حسين
الثلاثاء, 19 أغسطس - 2025
الطفل احمد ابن الدكتورة نائلة العباسي المختفي مع خمسة من إخوته حين اعتقال والديهم / نيويورك تايمز
الطفل احمد ابن الدكتورة نائلة العباسي المختفي مع خمسة من إخوته حين اعتقال والديهم / نيويورك تايمز

من بين أكثر صفحات الحرب السورية قسوةً وإيلامًا تبرز قضية الأطفال المفقودين؛ أولئك الذين اختفوا خلف جدران السجون أو أُنتزعوا قسرًا من عائلاتهم ليُمحى أثرهم عمداً. ونشرتحقيق مطوّل لصحيفة نيويورك تايمز منذ ايام كشف النقاب عن وثائق سرية وقواعد بيانات أنشأتها أجهزة المخابرات الجوية السورية، توضح كيف جرى فصل مئات الأطفال عن ذويهم وإرسالهم إلى دور أيتام تحت هويات مزيفة، في واحدة من أوسع عمليات الإخفاء القسري للأطفال في الشرق الأوسط الحديث. 
هذا التحقيق يقدّم صورة صادمة عن مدى الانتهاكات التي مورست بحق الأطفال السوريين، ويطرح أسئلة ملحة حول مصير آلاف المفقودين منهم.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد أجرت خلال الشهور الماضية ،  تحقيقًا استقصائيًا واسع النطاق حول قضية الأطفال المفقودين في سوريا، لتكشف عن واحدة من أكثر الملفات المظلمة في تاريخ الصراع السوري. بالاعتماد على وثائق سرية صادرة عن أجهزة النظام السوري وقواعد بيانات أنشأتها المخابرات الجوية، إلى جانب مقابلات مع ناجين وعائلات معتقلين، رسم التحقيق صورة مفزعة عن مصير آلاف الأطفال الذين فُصلوا قسرًا عن ذويهم ونُقلوا إلى دور أيتام بهويات مزيفة، في إطار سياسة ممنهجة لإخفاء آثار جرائم الاعتقال والاختفاء القسري.

من أهم ما جاء في  التحقيق – نيويورك تايمز

1. حجم الاختفاء القسري للأطفال

منذ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024، يسعى السوريون للكشف عن مصير أكثر من 100 ألف شخص اختفوا قسريًا في سجون النظام السرية، منهم آلاف الأطفال الذين اعتُبر آباؤهم غير موالين للنظام .

أظهرت الوثائق أن أجهزة الأمن السورية – خاصة المخابرات الجوية – أصدرت أوامر بفصل الأطفال عن ذويهم ومنحهم هويات مزيفة، بهدف منع اكتشاف هويتهم الحقيقية .

2. مؤسسات دور الأيتام المتورطة

وثائق التحقيق أكدت أن الأطفال نُقلوا إلى تسعة منشآت على الأقل، منها ستة تُدار من قبل منظمة SOS Children's Villages، وهي منظمةدولية  غير حكومية . .

النصوص السرية التي حصلت عليها الصحيفة تُظهر أن وزارة الشؤون الاجتماعية ومحافظ ريف دمشق كانا يُجبران على العمل تحت إشراف المخابرات الجوية فيما يتعلق بوضع الأطفال في دور الأيتام .

3.وضع قرى الأطفال  SOS

منظمة SOS نفت معرفتها بأسماء الأطفال الدقيقة وقالت إنها "لم يُطلب منها تغيير أو اختلاق أسماء" .

في تقريرها، اعترفت المنظمة بأنها تلقت بين عامي 2013 و2018 نحو 139 طفلًا "بدون وثائق صحيحة"، أعيد 34 منهم إلى أسرهم، بينما أُعيد 104 إلى السلطات السابقة، ولا يعرف مصيرهم .

كما نفت المنظمة وجود أي دليل على أن أطفال عائلة محددة (نيويورك تايمز ذُكرت عائلةغبيس كمثال) كانوا ضمن من رعتهم .

المنظمة توضح أنها اتخذت خطوات لمنع تكرار هذه الحالات منذ 2018، وتعزز التعاون مع الجهات الرسمية لإعادة التتبع وتوحيد الجهود .

في يوليو 2025، عُيّن مدير جديد للمنظمة في سوريا مؤقتًا لتمكين التحقيقات الجارية من السير بحيادية كاملة .

4. قصص فردية مؤثرة

إحدى العائلات (عائلة غبيس ) تعرض أبناؤها للاختفاء بعد اعتقال الوالدين، وتم نقل البنات إلى دور تابعة لـ SOS. استمر الانفصال لفترة طويلة، وعند إعادة التجمع في 2018، كان لدى الأطفال مشاعر مختلطة تجاه ذويهم .

التحقيق اعتمد على عشرات الوثائق السرية وقواعد بيانات ضخمة أنشأتها المخابرات الجوية، بالإضافة إلى مقابلات مع أكثر من 50 شخصاً من بينهم موظفون في الدور وأبناء المعتقلين سابقًا .

 لماذا الكشف عن الأطفال المفقودين أساسي للسَلم الأهلي؟

تكمن أهمية استعادة الأطفال المختفين قسريًا في عدة أبعاد حيوية:

1. العدالة وإحقاق الحق
إعادة الأطفال إلى أهلهم أو حتى توثيق مصيرهم يمثل اعترافًا بمعاناتهم وحقهم في الهوية والكرامة، ويشكل خطوة محورية نحو العدالة والمصالحة.

2. الشفافية والمساءلة التاريخية
إظهار الحقيقة يقطع الطريق أمام التكرار، ويحاسب الجهات التي استغلت الأطفال كأداة سياسية. من دون ذلك، تبقى المؤسسات المفترضة لحماية الأطفال ملوثة بالسرية والعنف.

3. تعزيز الثقة بين المجتمع والدولة
حين يُثبت أن السلطات – الحالية أو الدولية – تسعى لإيجاد الحقيقة، ينتعش الإيمان بأنها تعمل من أجل حماية المواطنين، مما يدعم بناء دولة قادرة على حفظ القانون والمجتمع.

4. الشفاء والدعم النفسي
الأطفال الذين فقدوا أسرهم أو تغيرت هوياتهم يعانون من صدمات عميقة. تشخيص مصيرهم يتيح توفير الدعم النفسي المناسب، وهو حجر الزاوية في إعادة بناء نسيج اجتماعي متماسك.

5. منع النزعات الانتقامية
اختفاء الأطفال يترك آثارًا طويلة الأمد، تمثلت غالبًا في الغضب والبحث عن الثأر. بدلاً من ذلك، المصالحة القائمة على الحقيقة يمكن أن تحول تلك الطاقة نحو السلام والبناء.
ويمكننا القول إن تحقيق نيويورك تايمز سلط الضوء على واحدة من أكثر فصول الحرب السورية إيلامًا: اختفاء آلاف الأطفال وفصلهم عن ذويهم بطرق ممنهجة وإخفائهم في مؤسسات رسمية. هذه الحقيقة تكشف عن حجم المعاناة التي لا تزال جاثمة على المجتمع السوري. إعادة الأطفال إلى ذويهم – أو على الأقل توثيق مصيرهم – ضرورة إنسانية وقانونية؛ خطوة مهمة في طريق السلام الأهلي والشفاء الوطني.