وزير الداخلية السوري: ثلث السكان كان مطلوباً

السبت, 24 مايو - 2025
وزير الداخلية السوري أنس خطاب
وزير الداخلية السوري أنس خطاب


كشف وزير الداخلية السورية، أنس خطاب، أن 8.22 مليون مواطن، وهو ما يقارب ثلث سكان البلاد، كانوا مطلوبين أمنيا أو ممنوعين من السفر في ظل النظام البائد، وذلك خلال اجتماع تشاوري عقدته الوزارة ضم نخبة من الحقوقيين المتخصصين وعددا من ضباط الشرطة المنشقين وممثلين عن وزرات أخرى، لمناقشة الهيكل التنظيمي المقترح للوزارة، الذي يجري التحضير لاعتماده في المرحلة المقبلة.
الاجتماع، الذي ترأسه خطاب، يأتي، حسب ما قال خبراء ومراقبون حضروا الاجتماع لـ «القدس العربي»، ضمن خطوات إصلاحية تهدف إلى إعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس مهنية وقانونية، بعد عقود مظلمة من حكم الدولة الأمنية لآل الأسد.
وقد «شكل اللقاء منصة لتبادل الآراء وتقديم الملاحظات الفنية والقانونية، في سياق السعي لإرساء هيكل مؤسساتي متماسك يستند إلى الكفاءة والشفافية والالتزام بسيادة القانون».
وأكد المشاركون على «أهمية تضمين الهيكلية معايير حقوق الإنسان والرقابة المدنية، وتجنب التمركز السلطوي في العمل الأمني، بما يعزز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة ويؤسس لبناء جهاز أمني وطني محترف».
ومن المقرر، حسب المصادر، أن تُرفع المخرجات والتوصيات إلى الجهات المعنية في الوزارة لاعتماد الصيغة النهائية، ضمن رؤية إصلاحية شاملة تسعى إلى تحديث القطاع الأمني وتكريسه كأداة لخدمة المجتمع وحماية السلم الأهلي، إذ تُعد هذه الخطوة «جزءاً من مسار أوسع لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة السورية، بما يواكب التحولات الجارية ويلبّي تطلعات السوريين في العدالة والكرامة والاستقرار».
المحامي والخبير القانوني عارف الشعال، الذي حضر الاجتماع، قال لـ «القدس العربي»: «في إطار التصورات المطروحة لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية في سوريا المستقبل، يجري العمل على إقرار نموذج أمني حديث يقوم على الشفافية وتحديد الاختصاصات، يضم ثلاثة أجهزة رئيسية، لكل منها مهام محددة، بما يضمن الحد من التداخل والصلاحيات المطلقة التي ميّزت العقود السابقة».
وهذه الأجهزة الأمنية تتمثل، وفق الشعال، بجهاز الأمن الداخلي الذي يتبع لوزارة الداخلية، ويُعد الجهة الوحيدة المخولة بالتعامل المباشر مع المواطنين في إطار المهام الأمنية.
ووفقا لتصريحات وزير الداخلية، التي نقلها الشعال، فإن الجهاز سيؤدي وظائفه ضمن إطار قانوني واضح، تحت إشراف النيابة العامة، لا سيما عند ممارسته لدور الضابطة العدلية في مكافحة الجريمة، بما يشمل التحقيق والتوقيف وفق الإجراءات القضائية.
وكذلك من بين الأجهزة جهاز استخبارات الجيش.ويخضع هذا الجهاز لوزارة الدفاع، وتقتصر صلاحياته على الشؤون العسكرية والجيش حصراً، ولا يمتلك أي صلاحيات تجاه المدنيين فيما يتعلق بالتحقيق أو التوقيف، الأمر الذي يرسّخ مبدأ الفصل بين الأمن العسكري والأمن المدني.
وأيضا إدارة المخابرات العامة، وهو جهاز مستقل، يُحتمل أن يرتبط برئاسة الجمهورية، ويُتوقع أن يضطلع بدور احترافي وتقني بحت، يتمثل في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها لصنّاع القرار، كما أن علاقته بالمواطنين ستكون شبه معدومة من حيث الصلاحيات القضائية، إذ سيعمل كضابطة إدارية فقط، دون ممارسة أي دور عدلي كالتوقيف أو التحقيق.
هذه الهيكلية الجديدة تعكس وفق المتحدث، توجها واضحا نحو إعادة ضبط العمل الأمني، وفق ضوابط قانونية ومؤسسية، تنهي حالة التغوّل الأمني وتعيد بناء الثقة بين المواطنين والدولة، في سياق سعي السوريين إلى إقامة دولة قانون ومؤسسات.
وكشف خطاب خلال الاجتماع، أن وزارة الداخلية تواصل جهودها لمعالجة التراكمات الأمنية الجائرة التي خلفها النظام السابق، وعلى رأسها قضية السوريين المدرجين على لوائح المطلوبين والممنوعين من السفر.
ووفق الشعال، أكد خطاب وجود نحو 8.22 مليون سوري ـ وهو ما يقارب ثلث سكان سوريا ـ كانوا مطلوبين أمنيا أو ممنوعين من السفر في ظل النظام البائد، وهو رقم صادم يعكس مدى تغوّل الأجهزة الأمنية السابقة واستخدامها كأداة قمع سياسي ومجتمعي.
وأشار الوزير خلال الاجتماع إلى أن الوزارة تمكنت من حذف نحو 5.2 مليون اسم، غالبيتهم كانوا مطلوبين لأسباب تتعلق بالتخلّف عن خدمة العلم أو التجنيد الإجباري، بينما تبقى نحو ثلاثة ملايين حالة يجري العمل على معالجتها تدريجياً، من ضمنهم 1.13 مليون موظف حكومي لا يزالون مدرجين على هذه القوائم.
الوزير خطاب أبلغ الشخصيات الحاضرة، أن النظام السابق عمم أسماء معارضيه عبر نشرات كيدية أُرسلت إلى الشرطة الدولية (الإنتربول) موضحا أن السلطات اللبنانية تسلّمت بالفعل لائحة تضم قرابة مليونَي اسم لمواطنين سوريين وردت أسماؤهم ضمن هذه النشرات، في إجراء يتنافى مع المبادئ القانونية الدولية ويعكس استخداما ممنهجا للإنتربول كأداة سياسية.
وفيما يتعلق بالموقوفين السوريين في لبنان، وخصوصاً في سجن رومية، أشار وزير الداخلية إلى وجود صعوبات قانونية وإجرائية تعرقل استعادتهم، إلا أن العمل جارٍ بالتنسيق مع الجهات المعنية لإعادتهم إلى البلاد ومعالجة ملفاتهم ضمن إطار قانوني وإنساني واضح.
«سوريا آمنة»
الباحث في المركز العربي في واشنطن د. رضوان زيادة، وهو أحد المشاركين في الاجتماع، قال لـ «القدس العربي»: إن اللقاء الذي عقد مؤخرا يعد خطوة غير مسبوقة في تاريخ العمل الأمني في سوريا، إذ جمع بين وزير الداخلية وعدد من الخبراء الحقوقيين، وضباط منشقين، وممثلين عن وزارات متعددة، في نقاش مفتوح وشفاف حول مستقبل وزارة الداخلية وهيكليتها الجديدة.
وأضاف: بحث الاجتماع الهيكلية الجديدة لوزارة الداخلية، التي يُنتظر الإعلان عنها قريبا تحت اسم «سوريا آمنة»، وهي خطة طموحة تهدف إلى إعادة تعريف دور الوزارة على أساس حماية المجتمع لا السيطرة عليه، من خلال التركيز على أمن الطرقات، والحد من تفشي المخدرات، التي تحوّلت في عهد النظام السابق إلى مصدر تمويل رئيسي، حيث أشار وزير الداخلية إلى أن سوريا كانت الدولة الأولى المصدّرة لمادة الكبتاغون إلى أوروبا.
وتابع: «الخطة تتضمن توزيع منظومة شاملة من كاميرات المراقبة في الطرقات العامة للحد من معدلات الجريمة، وهي خطوة مهمة نحو بيئة أكثر أماناً للمواطنين».
وأكد أن الاجتماع تطرق بشكل واضح إلى ضمان حقوق الإنسان داخل بنية الوزارة، حيث تم الإعلان عن إنشاء مكتب اتصال خاص للمواطنين، يتيح لهم الإبلاغ عن الانتهاكات دون خوف، عبر رقم مباشر، مع تأكيد التزام الوزارة بعدم ممارسة أي شكل من أشكال القمع أو الترهيب.
وختم بالقول: ما ميّز الاجتماع هو النقاش المفتوح والحر، الذي عكس قدراً من الجدية في مقاربة التغيير، لكن تبقى الخطوة الحاسمة في التطبيق الفعلي، وضمان استمرار الرقابة المدنية على أداء الأجهزة الأمنية، حتى لا يعاد إنتاج الاستبداد بشكل جديد.
وخضعت مسألة إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية في سوريا لنقاش معمّق خلال الاجتماع، حيث أكد المجتمعون على أن أحد أبرز أسباب الانتهاكات والتجاوزات في العقود الماضية كان ناجماً عن تعدد الفروع الأمنية، الأمر الذي أوجد حالة من الفوضى الأمنية وغياب المحاسبة وارتكاب انتهاكات بحق السوريين.
ووفقا للرؤية الجديدة التي طرحتها وزارة الداخلية، حسب ما قال زيادة لـ «القدس العربي»: فإن سوريا عانت تاريخيا من تضخم غير مسبوق في الجهاز الأمني، إذ كانت هناك أربع شعب أمنية رئيسية، تتبع لها عشرات الفروع الإقليمية، أبرزها: فرع الأمن السياسي، وإدارة المخابرات العامة، وكلاهما كان يخضع ـ نظرياً ـ لوزارة الداخلية، إلى جانب شعبة المخابرات العسكرية وشعبة المخابرات الجوية، اللتين كانتا تتبعان ـ شكلياً ـ لوزارة الدفاع.
وقد وجدت هذه الفروع في كل محافظة سورية، بل وفي أكثر من موقع داخل المدينة الواحدة، وكان لها مراكز اعتقال ومبان منفصلة، إضافة إلى نفوذها الواسع داخل المطارات والمرافق الحساسة، لا سيما جهاز المخابرات الجوية.
واعتبرت وزارة الداخلية أن هذه الشبكة المعقدة والمرعبة من الفروع الأمنية شكّلت العمود الفقري لمنظومة القمع التي اعتمد عليها نظام الأسد لتكريس سلطته، عبر تغوّل أمني غير مسبوق وتحكّم كامل بالمجتمع.
أما اليوم، ووفقاً للتوجهات الجديدة المستندة إلى ما وُصف بـ«خطاب النصر»، فقد تم الإعلان عن حلّ معظم هذه الأجهزة الأمنية، في خطوة تهدف إلى إنهاء حالة التعدد والتضارب، وتكريس قيادة أمنية موحّدة.
وستُناط مسؤولية الأمن العام بـ«جهاز الأمن الداخلي»، التابع لوزارة الداخلية، والذي سيعمل بالتنسيق الكامل مع الشرطة، ليكون هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن الشأن الأمني في المحافظات، تحت سلطة مركزية مدنية واضحة.
واعتبر أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية نحو ضبط العمل الأمني ضمن أطر قانونية ومؤسساتية، بعيداً عن التداخل الفوضوي الذي ميّز المرحلة السابقة، وتفتح الباب أمام تأسيس جهاز أمني وطني محترف وخاضع للمساءلة، يخدم المواطنين ويحترم حقوقهم، بدلاً من أن يشكّل أداة تسلط وقمع كما كان في الماضي