تشهد الساحة السورية تصاعداً ملحوظاً في حوادث الاغتيال ومحاولات الاغتيال داخل أروقة النظام السوري، مما يعكس تفككاً داخلياً وصراعاً محموماً على السلطة. أحدث هذه المحاولات كانت محاولة اغتيال لونا الشبل، المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، والتي تعتبر واحدة من أبرز الشخصيات المؤثرة في دوائر السلطة. هذه الحادثة تثير العديد من التساؤلات حول من يقف وراء هذه العمليات ومن المستفيد منها.
لونا الشبل ليست الضحية الوحيدة في هذا المسلسل المظلم، فقد سبقها العديد من الأسماء البارزة في النظام السوري. من بين هؤلاء كان اللواء محمد سليمان، الذي اغتيل في طرطوس عام 2008، وكان يعتبر أحد أقرب المستشارين العسكريين للرئيس. سليمان لعب دوراً محورياً في تسليح وتدريب حزب الله اللبناني، وكان موته ضربة قاسية للنظام.
بالإضافة إلى ذلك، كان اغتيال العميد عصام زهر الدين، قائد قوات النخبة في الحرس الجمهوري، في دير الزور عام 2017، بمثابة صدمة كبيرة. زهر الدين كان معروفاً بوحشيته في المعارك وكان وجهاً بارزاً في الحرب ضد المعارضة. مقتله ألقى بظلال من الشك حول مدى قدرة النظام على حماية رجالاته وأثار تساؤلات حول الخلافات الداخلية في الجيش.
حوادث محاولة الاغتيال طالت أيضاً العقيد سهيل الحسن، المعروف بـ”النمر”، والذي نجا من عدة محاولات اغتيال. الحسن يُعتبر من أقوى القادة العسكريين الميدانيين وله دور بارز في استعادة العديد من المناطق من قبضة المعارضة. محاولات اغتياله تشير إلى وجود منافسة شديدة داخل المؤسسة العسكرية.
ولا يمكن التغاضي عن الشائعات التي تحيط بأسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري، والتي قيل إنها مصابة بسرطان الدم. إذا كانت هذه الشائعات صحيحة، فإن ذلك يضيف بعداً آخر للصراعات الداخلية، حيث يمكن أن يؤدي المرض إلى إعادة تشكيل التوازنات داخل الأسرة الحاكمة نفسها. علاوة على ذلك، تعرضت أسماء الأسد لانتقادات داخلية وخارجية بسبب نمط حياتها الفاخر وتدخلها المتزايد في الشؤون السياسية.
إن تكرار هذه الحوادث يشير إلى وجود صراعات خفية وتصفية حسابات داخلية بين أجنحة النظام المختلفة. فكل عملية اغتيال أو محاولة اغتيال تكشف عن انشقاقات متزايدة وشعور متزايد بالخطر بين أفراد النظام، مما يضعف من تماسكه الداخلي ويثير الشكوك حول مستقبله.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور الأطراف الخارجية التي قد تستغل هذه الانقسامات لتحقيق مصالحها. فإيران وروسيا، الداعمان الرئيسيان للنظام، قد يكون لهما دور في هذه الاضطرابات الداخلية، سواء من خلال تعزيز نفوذهما أو محاولة تصفية الحسابات مع الأطراف المنافسة داخل النظام.
في ظل هذه الأوضاع، يبرز سؤال ملح: إلى متى يمكن للنظام السوري الاستمرار في ظل هذه الاضطرابات الداخلية؟ وهل ستتسع دائرة العنف الداخلي لتشمل المزيد من الشخصيات البارزة، مما يهدد بزعزعة استقرار النظام برمته؟
إن الأحداث الأخيرة تجعل من الضروري متابعة المشهد السوري عن كثب، حيث يبدو أن المرحلة المقبلة قد تكون حافلة بمزيد من المفاجآت والتحولات، وربما تسفر عن تغيير جذري في شكل وتركيبة النظام السوري الحالي. إن الصراعات الداخلية والتوترات المتزايدة قد تؤدي في النهاية إلى انهيار النظام من الداخل، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، تتراوح بين الإصلاح الشامل والصراع الدموي المستمر.