ياله من عالم عادل !

لوحة كاريكاتير للفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير السوري موفق قات 2025 (لـsyria.tv).
لوحة كاريكاتير للفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير السوري موفق قات 2025 (لـsyria.tv).

في هذا العالم العجيب، حيث تُقاس العدالة بمكيالين، وتُوزّع الحقوق بانتقائية فائقة، أصبحنا نشهد مشهدًا فريدًا من نوعه: قلق عالمي مُستميت على "الأقليات" في سوريا الجديدة، يا له من قلقٍ نبيل! يا له من اهتمامٍ إنساني جليل! بينما "الأكثرية" التي هُجّرت وقُتّلت وعانت من صنوف العذاب على يد النظام، فلا بواكي لها، ولا مُطالب بحقوقها، وكأنها لم تكن، أو كأنها مجرد أشباح عابرة في تاريخ سوريا المُعاصر.

تُرى ما السر في هذا الاهتمام المُفرط بالأقليات؟ هل لأنها أقل عددًا؟ أم لأن صراخها أعلى صوتًا؟ أم لأنها ببساطة تُجيد العزف على أوتار العواطف الدولية؟ أما "الأكثرية" المُسلمة السنية، فكأنها خُلقت لتكون ضحية دائمة، تُذبح وتُهجّر وتُنسى، وكأنها لا تستحق حتى نظرة عطف أو كلمة مواساة.

أيها العالم المُتحضر، أيها الضمير الإنساني النائم في سبات عميق، أيُعقل أن تُختزل مأساة سوريا في "مخاوف" الأقليات، بينما تُهمّش معاناة الملايين من المُهجّرين واللاجئين الذين مزقتهم الحرب وشردتهم عن ديارهم؟ أيُعقل أن تُقام الدنيا ولا تُقعد على "احتمالية" تعرض الأقليات للخطر، بينما تُغض الأطراف عن "حقيقة" تعرض الأكثرية لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد؟

يا له من عدلٍ أعرج! يا له من منطقٍ أعوج! أصبحنا نعيش في زمنٍ تُباع فيه المواقف وتُشترى، وتُوزّع فيه الحقوق على أساس الانتماء الطائفي أو العرقي، لا على أساس الإنسانية والعدالة. أصبحنا نرى كيف يُستخدم مصطلح "الأقليات" كفزاعة لإخافة العالم وتبرير التدخلات الخارجية، بينما تُدفن تحت هذا المصطلح جرائم لا تُحصى بحق "الأكثرية" المنسية.

في النهاية، لا يسعنا إلا أن نرفع قبعاتنا إجلالًا لهذا "العدل" المُنتشر في عالمنا، ولنُهنئ أنفسنا على هذا "الوعي" الإنساني الذي يُفرّق بين دمٍ ودم، وبين ضحية وضحية. ويا ليت شعري، متى يستيقظ الضمير الإنساني من غفوته؟ ومتى يُدرك أن العدالة لا تتجزأ، وأن حقوق الإنسان لا تُوزّع بالقطعة؟ أم أننا سنظل نعيش في هذا العالم العجيب، حيث تُباع فيه الأوهام وتُشترى، وتُذبح فيه الحقائق وتُنسى؟

محمد الأحمد

كاتب سوري

خبير في التسويق ومساهم في تطوير البحث الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي للمستخدم العربي مؤسس MASAARI NETWORK

محرر اخبار التقنية ومدير قسم السوشيال ميديا بموقع السوري اليوم سابقاً