الخوذ البيضاء.. تضحياتكم لا يوازيها شكر

الخوذ البيضاء
الخوذ البيضاء

في أرضِ الشامِ، حيثُ التاريخُ يروي حكاياتِ الصمودِ، وحيثُ الأملُ يولدُ من رحمِ المعاناةِ، هناكَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليهِ، وهبوا حياتَهم لإنقاذِ الأرواحِ، وتضميدِ الجراحِ. إنَّهم رجالُ الدفاعِ المدنيِّ السوريِّ، أو كما يحلو لنا أن نسمِّيَهُم بـ"الخوذ البيضاء"، الذين لم يعرفوا للراحةِ معنىً، ولم يستكينوا للخطرِ يومًا.

منذ أن بزغت شمسُهم في سماءِ سوريا، لم يكلُّوا عن بذلِ الغالي والرخيص، في سبيلِ إنقاذِ الأرواحِ، وتضميدِ الجراحِ. لقد كانوا، ولا يزالون، خطَّ الدفاعِ الأولَ عن الإنسانِيةِ في أرضِ كُلِمَتْ وعانت شتَّى أنواعِ المحنَ والمُلِمَّاتْ.

في كلِّ يومٍ، يواجهونَ الموتَ بأيدٍ عاريةٍ، وقلوبٍ عامرةٍ بالإيمانِ. يتسابقونَ إلى أماكنِ القصفِ، دون خوفٍ أو ترددٍ، لينتشلوا الأبرياءَ من تحتِ الأنقاضِ، وليعيدوا الأملَ إلى قلوبِ الثكالى والأيتامِ. أكثر من 24 ألف خدمة خلال آخر شهرين فقط، تنوعت بين الإسعافية والمشاريع الخدمية، إضافة إلى تنفيذ العديد من الأعمال في مجالات الدعم النفسي والصحي والطبي، والإطفاء، وحوادث السير، ومخلفات الحرب، ومشاريع التعافي من الزلزال، وتأهيل البنى التحتية في جميع المحافظات.

لم يقتصر عملُهم على الإسعافِ والإطفاءِ، بل تعداهُ إلى مشاريعَ خدميةٍ وإنمائيةٍ، تهدفُ إلى إعادةِ الحياةِ إلى المدنِ والقرى المدمرةِ. يبنون، يرممون، يقدمونَ الدعمَ للمتضررينَ، ويُعيدونَ البسمةَ إلى وجوهِ الأطفالِ.

إنَّ الدفاعَ المدنيَّ السوريَّ، ليس مجردَ منظمةٍ إنسانيةٍ، بل هو رمزٌ للتضحيةِ والفداءِ، ومعنىً للإنسانيةِ في أبهى صورِها. إنَّهم فخرُ لسوريا، ورمزُ من رموز عزِّها، الذين سيذكرُهم التاريخُ بأحرفٍ من نورٍ.

هؤلاء الأبطال، الذين بدأت حكايتهم بجهود شخصية وتطوعية، سطع نجمهم في سماء العمل الإنساني، حتى ترشحوا لجائزة نوبل للسلام، تقديرًا لجهودهم الجبارة. ولم يسلم هؤلاء المنقذون من بطش النظام، الذي استهدفهم في الكثير من الأحيان، فاستشهد منهم 308 متطوعًا، قتل أكثر من نصفهم في ضربات استهدفتهم عمدًا. ورغم الألم والفقد، لم يزددوا إلا إصرارًا على مواصلة رسالتهم النبيلة، وإنقاذ الأرواح.

لن ينسى السوريون الأياديَ البيضاءَ التي امتدت إليهم في أحلكِ الظروفِ، ولن ينسوا التضحياتِ الجسامَ التي قدمها رجالُ الدفاعِ المدنيِّ الأبطال.

تحيةً من القلبِ إلى كلِّ فردٍ من أفرادِ الدفاعِ المدنيِّ السوريِّ، وتحيةً إلى أرواحِ الشهداءِ الذين ضحوا بأغلى ما يملكون، في سبيلِ إنقاذِ حياةِ الآخرينَ.

محمد الأحمد

كاتب سوري

خبير في التسويق ومساهم في تطوير البحث الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي للمستخدم العربي مؤسس MASAARI NETWORK

محرر اخبار التقنية ومدير قسم السوشيال ميديا بموقع السوري اليوم سابقاً