(عن القدس العربي)
بعد عملية طوفان الأقصى ومجريات أحداثها ومواقف الأطراف المختلفة منها يمكننا أن نستخلص مجموعة من الدروس التي يجب أخذها بعين الاعتبار كثوابت تساعد في بناء أي تحليل سياسي يقود إلى فهم أفضل. فهذه العملية التي تمت على أيادي عدة مئات من المقاتلين بتقنيات بسيطة استطاعوا إنجاز ما لم تستطع جيوش دول عربية أنجازه. كما أنها سببت إحراجا كبيرا لها، وخاصة الدول التي ترفع شعار المقاومة والممانعة، والدول المطبعة.
مجازر مروعة
وقفت الدول العربية جميعها عاجزة عن ردع إسرائيل من ارتكاب مجازر مروعة بحق الشعب الفلسطيني، كما تباينت مواقفها إزاء دولة الاحتلال ولم تكن على مستوى الحدث خاصة النظام السوري وانطلاقا من شعاراته: “المقاومة والممانعة ووحدة الساحات” وتصريحاته المتكررة عن: “الرد في المكان والزمان المناسبين” على الاعتداءات المتكررة لدولة الاحتلال لم يستغل هذا الحدث للرد على أقل تقدير لضرب مطاري دمشق وحلب وإخراجهما عن الخدمة التي وقعت بعد العدوان على غزة، ورغم أن الضربات كانت موجهة تحديدا لثني إيران عن نقل الأسلحة والذخائر إلى ميليشياتها في سوريا فهي بدورها بقيت صامتة، ليس فقط في سوريا لكن أيضا لما يجري في غزة رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل هاجم إيران وأذرعها “التي طالما تاجرت بالقضية الفلسطينية بتصريحات وخطابات عنترية وعندما حلّت ساعة الحقيقة تخلّت عن غزة وأهلها وتركتهم وحدهم بمواجهة إسرائيل وحلفائها” يستثنى من ذلك الرئيس التونسي قيس سعيد الذي وقف مساندا وداعما للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في تحرير أرضه من الماء إلى الماء.
الجامعة العربية
وأثبتت الجامعة العربية أنها جسد بلا روح وهذا انعكس في بيانها الذي صدر عنها حول أحداث غزة. وقد عبر عن ذلك رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم في تغريدة توجه فيها إلى الطبيب ـ الفنان باسم يوسف بعد مقابلته مع “بييرس مورغان” قائلا: “شكرا باسم لقد قمت بما لم تقم به الجامعة العربية وأمينها العام” وهذه الجملة تختصر حال الجامعة العربية. بينما أظهرت الشعوب العربية تعاطفها وتأييدها ودعمها للشعب الفلسطيني عبر مظاهرات حاشدة في معظم المدن العربية (المدن السورية الواقعة تحت سلطة الأسد ومنها العاصمة السورية دمشق التي كانت توصف “بقلب العروبة النابض” منع فيها التظاهر، ومنعت وسائل الإعلام من نقل المسيرات التضامنية الفلسطينيين).
وهذا يدل على أن الأنظمة العربية في واد والشعوب العربية في واد آخر. هذه المعطيات على أرض الواقع تؤكد على أن الأنظمة العربية لم تعد قادرة اليوم على اتخاذ قرار موحد قوي ومتماسك يظهر للعالم أنها في قضية العرب الأولى فلسطين قادرة على الوقوف في وجه عدوان دولة الاحتلال، إذ لم يصدر أي قرار منها بسحب سفرائها من تل أبيب، أو طرد سفير الاحتلال من عواصمها كما فعل الرئيس الكولومبي مثلا، أو التهديد بوقف التطبيع، أو استخدام أي سلاح آخر سياسي أو اقتصادي آخر، بل ما شاهدناه أن هناك دولا منعت المظاهرات بل وحتى رفع علم فلسطين في ساحاتها أو مدرجات ملاعبها. وهذا الوضع بطبيعة الحال يطلق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يد الاحتلال والدول الداعمة له لفعل ما تشاء في أوطاننا التي باتت اليوم مهددة فعليا في أمنها وسلامة أراضيها، وسيادة دولها. هذا الوضع المتردي للنظام العربي سيدفع مرة أخرى الشعوب العربية للانتفاض والتحرر من أنظمة غير قادرة على حمايتها، وتأمين عيشها، ومستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة.
موقف الدول الغربية
في هذه الجولة الجديدة مع دولة الاحتلال التي شعرت أنها تلقت ضربة موجعة في العمق، تهافتت دول غربية وعلى رأسها أمريكا للوقوف إلى جانبها وإرسال حاملات الطائرات والبوارج الحربية، ووصل زعماؤها سريعا بزيارات دعم لتل أبيب، وقال بايدن في تصريح له “إذا لم يكن هناك إسرائيل فعلينا اختراعها” و برأ دولة الاحتلال من جريمتها في قصف مشفى المعمداني، ثم طلب من الكونغرس بدعم إسرائيل ماليا بمبلغ 14 مليار دولار، وبكل الأسلحة والذخائر. ومع خطط دولة الاحتلال بتهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء، والأردن دانت كل من الأردن ومصر هذه النوايا الخبيثة لتصفية القضية الفلسطينية بتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الفلسطينيين، وندد الزعماء العرب خلال قمة القاهرة للسلام التي نظمتها القاهرة بقصف دولة الاحتلال المستمر على قطاع غزة في حين شدد الأوروبيون الذين حضروا الاجتماع على ضرورة حماية المدنيين، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف العدوان الإسرائيلي الاجتماع انتهى دون أن يتفق الزعماء ووزراء الخارجية على بيان مشترك. لكن في الطرف المقابل قامت الشعوب الأوروبية بمظاهرات واحتجاجات على قصف غزة ونددت بمواقف حكوماتها، وهنا أيضا نرى أن الأنظمة الغربية في واد، وشعوبها في واد آخر. خاصة وأن هذه الأنظمة التي تدعي الديمقراطية منعت على مواطنيها مناصرة الفلسطينيين، وانتقاد دولة الاحتلال.
نستخلص من هذه المواقف مجموعة من الثوابت. أولا أن إسرائيل ترفض حل الدولتين ومخططها هو ضم الأراضي الفلسطينية وسحق المقاومة، وأن الدول الغربية التي أنشأت دولة الاحتلال لن تتخلى عنها ومستعدة لإثارة حروب لحمايتها واستمراريتها، رغم معارضة شعوبها التي تطالب بإقامة دولة للفلسطينيين. ثم إن الدول العربية المطبعة مع دولة الاحتلال والتي كانت تعتقد أنها باتت بمأمن منها، تتفاجأ اليوم أن التطبيع لم يقدم لها شيئا بل على عكس ذلك فدولة الاحتلال سوف تضرب كل الاتفاقيات عرض الحائط لتنفيذ مخططاتها، وأن المخطط الإسرائيلي لم يتغير والذي يتمثل بإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.
في موازاة الحرب الدائرة في غزة واكبتها حرب إعلامية لتزوير الحقائق من ناحية، وخاصة فيما يتعلق بجريمة مشفى المعمداني، ومنع وسائل الإعلام الغربية من تقديم أي محتوى يدافع عن الحق الفلسطيني.
وقد وصل الأمر إلى محاسبة كل صحافي أو مؤسسة إعلامية تقف إلى جانب الفلسطينيين أو تنتقد دولة الاحتلال. وعلى سبيل المثال لا الحصر أظهرت قناة “بي بي سي”، وصحيفة «الغارديان» انحيازهما التام للخطاب الإسرائيلي، بل قامت وسائل إعلام عالمية بمعاقبة صحافيين على مقالاتهم ومواقفهم المعادية للاحتلال، وقامت بمراقبة نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكة “كاناري ميشن” التي ترصد أي نشاط معارض للصهيونية والسياسة الأمريكية على شبكات التواصل الاجتماعي. وباختصار فإن موقف الإعلام الغربي هو يمنع الانحياز إلا لإسرائيل.
هذه المواقف لوسائل إعلام دول تقوم أنظمتها على الديمقراطية الليبرالية تقوض من مصداقيتها، وتدحض أسس هذه الديمقراطية القائمة على حرية الرأي والتعبير، وعدم تدخل السلطة التنفيذية في السلطة الرابعة.
كاتب سوري