(نقلا عن القدس العربي)
رغم كل التغيرات التي طرأت على الوضع في سوريا منذ انطلاقة الثورة السورية في العام 2011 ودخول عدة دول على الخط (روسيا، إيران، تركيا، أمريكا) مازال النظام السوري مهلهلا ومضعضع الأركان، الدول العربية التي تبنت الثورات المضادة في كل الدول العربية التي انتفضت شعوبها ضد حكامها تقوم بكل إمكانياتها لتثبيت النظام السوري وتعويمه وعودته إلى الجامعة العربية متغاضية عن كل الجرائم التي اقترفها النظام ضد الشعب السوري لكن كل هذه الجهود فشلت حتى الآن. وقد وجد هذا النظام متنفسا في رغبة تركيا بالتطبيع معه وأظهر موقفا «متعجرفا» بوضعه شروطا مسبقة للموافقة على لقاء تبحث فيه شروط التطبيع، منها انسحاب القوات التركية من سوريا، لكن عملية التطبيع دونها مصاعب وعوائق ليس من السهولة حلها بعصا سحرية. لكن في الجانب الآخر هناك أكثر من عامل يقلق النظام ويضعه أمام تحد لابد من مواجهته: الضربات الإسرائيلية المتكررة التي تحولت إلى ضرب الموانئ والمطارات في سوريا وإخراجها عن الخدمة. سحب روسيا نظام (إس إس 300)، وجزء من قواته لاستخدامها في حربها في أوكرانيا. تبعات الوجود الإيراني وميليشياته على الأرض السورية التي هي السبب الأساسي في الغارات الإسرائيلية. وتدهور سعر الليرة السورية إلى مستويات متدنية غير مسبوقة.
النظام السوري الذي يرفع شعار «المقاومة والممانعة» يتلقى الضربات دون مقاومة أو حتى رد مماثل سوى بعض التصريحات للاستهلاك المحلي. حيث اكتفى وزير خارجية النظام فيصل المقداد بتصريح على أعقاب قصف مطار حلب وإخراجه عن الخدمة بأن إسرائيل «تلعب بالنار». وفي الواقع أن إسرائيل «تلعب» في سماء سوريا كما تريد دون الأخذ بعين الاعتبار «للنار» الذي هدد به المقداد.
هذه الضربات المتتالية تستهدف مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني، أو حاويات محملة بأسلحة وذخائر كما حصل في ميناء اللاذقية في العام 2021 الذي تم قصفه مرتين، وضرب مطار دمشق، ثم مطار حلب، لمنع أيصال أسلحة وذخائر لحزب الله، أو تعزيز هذه المواقع بأسلحة متطورة تستخدمها ضد إسرائيل في حال اندلاع أية اشتباكات بين الطرفين.
إزاء هذا الوضع المتطور والمتصاعد تحركت روسيا وطلبت من إيران بإخلاء بعض المواقع القريبة من المطارات للحيلولة دون ضربات أخرى وذكر ضابط روسي أن: «اجتماعاً ضم ثلاثة ضباط روس وإيرانيين في مطار حماة العسكري وسط سوريا، وأن الضباط الروس أبلغوا الجانب الإيراني بضرورة إخلاء مقار عسكرية إيرانية قريبة من موقع الفوج (49) التابع لقوات النظام السوري، وإخلاء موقع عسكري إيراني ثان في منطقة الحميدية جنوب محافظة طرطوس على الساحل السوري بأسرع وقت». دولة الاحتلال من جانبها التي لا تتبنى عملياتها في سوريا سوى بعض التصريحات لبعض المسؤولين العسكريين الذين يعترفون بعد حين بأن إسرائيل قامت بأكثر من مئة عملية قصف داخل الأراضي السورية، لكن العمليتين الأخيرتين في ضرب مطاري دمشق وحلب وإخراجهما عن الخدمة كانت رسالة موجهة إلى النظام السوري أكثر منها رسالة موجهة لإيران. ولحزب الله الذي قام مؤخرا بعملية إعادة انتشار وتبديل مواقع أيضا تحسبا لأي طارئ.
لا يبدو أن حرب المطارات ستتوقف طالما أن إيران تواصل شحن الأسلحة، والنظام السوري لا يقوى على الرد لعدم امتلاكه القدرة من ناحية ولا يريد أن يفتح على نفسه جبهة أخرى تضعف قواته أمام فصائل المعارضة
من بين الأنظمة العربية التي استخدمت القضية الفلسطينية كشماعة ووسيلة لإضفاء الشرعية عليها يبقى النظام السوري أكثر الأنظمة استخداما للقضية الفلسطينية والمتاجرة بها والتدخل في شؤون الفصائل الفلسطينة، فمنذ عهد الأسد الأب حاول شق منظمة التحرير الفلسطينية واستقبال بعض الفصائل الفلسطينية «قومية وإسلامية» (الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، حماس، الجهاد الإسلامي). وقد استخدم النظام هذه الفصائل لصالحه وخاصة بعد الثورة حيث انضم مقاتلون فلسطينيون إلى قوات النظام وشاركوا في قتل السوريين، وانضم أيضا فلسطينيون من مخيم اليرموك والحجر الأسود وحي التضامن لفصائل الثوار والجيش السوري الحر في مواجهة قوات النظام. وبمفهوم آخر فإن النظام لم يدع مجالا لكل هذه الفصائل ولم يسمح لها استخدام الأراضي السورية للقيام بعمليات ضد إسرائيل، ولا للجيش السوري لتحرير الجولان المحتل. وهذا منذ حرب تشرين 1973 بقيت ولا تزال الجبهة السورية صامتة. واليوم رغم الغارات الإسرائيلية المتكررة والمذلة لم يجرؤ النظام على الرد واستخدام «النار» الذي هدد به المقداد. وإنما فقط يحاول التصدي للصواريخ الهابطة كالمطر ويصرح بأنه أسقط معظمها ويتكتم على فواجعها.
لا يمكن للنظام اليوم الاستغناء عن وجود قوات الحرس الثوري وميليشياته وحزب الله فهذه القوات المنتشرة في أرجاء المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام باتت كأمر واقع ولا يجرؤ النظام على طلب انسحابها فهناك اتفاقيات بين الطرفين عسكرية واقتصادية من الصعوبة بمكان التملص منها، خاصة وأن هذه الميليشيات قد تكبدت خسائر مادية وبشرية كبيرة ولا زالت تستقبل جثث عسكرييها الذين يقتلون في مواجهات مع فصائل المعارضة ومن الضربات الإسرائيلية. وإيران هي من الدول الضامنة (روسيا، إيران، تركيا) في مسار آستانا وتتوافق مواقفها مع مواقف النظام من التفاوض مع المعارضة السورية بضرورة تسويفها ومنعها من الوصول إلى السلطة أو تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254 على عكس الموقف التركي الذي يصر على الحل السياسي، والانتخابات الديمقراطية حسب قرار الأمم المتحدة 2254. وحاليا ينتظر النظام دعم إيران اقتصاديا وماليا بعد رفع العقوبات الأمريكية بعد التوقيع على الاتفاق النووي وخاصة التزود بالنفط الإيراني بأسعار مخفضة. فالنظام لا يمكن أن يعتمد على روسيا الغارقة في حربها في أوكرانيا وليس أمامه سوى إيران لطلب قروض أو مساعدات عينية ونفطية لرفع سعر الليرة السورية التي وصلت إلى مستويات متدنية وتستمر في الانخفاض مقابل الدولار (في حال التوقيع على الاتفاق النووي ستستلم إيران فوريا مئة مليار دولار من أمريكا). الدول الضامنة اليوم تشهد تغيرات جوهرية فتركيا أعادت علاقاتها مع إسرائيل وبالتالي لن تدين أعمالها العسكرية في سوريا، وروسيا تدخل في حرب يعمل الغرب جاهدا أن تكون حرب استنزاف طويلة الأمد لإنهاء روسيا، وإيران على أبواب التوقيع على الاتفاق النووي وبالتالي ستخرج من نفق العقوبات وستكون أكثر تأثيرا في الشرق الأوسط وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذا ما يقلق إسرائيل التي تعمل جاهدة على الحد من النفوذ الإيراني ما يدفعها لضرب المطارات والموانئ السورية للحيلولة دون وصول الأسلحة والذخائر التي تنقل بالطائرات الآن وتهبط في هذه المطارات السورية بعد ضرب مرفأ اللاذقية (مرفأ طرطوس يسيطر عليه الروس)، فضرب المطارات يمكن أن يعطل هبوط هذه الطائرات ويكون بمثابة رسالة للنظام أيضا. ولا يبدو أن حرب المطارات ستتوقف طالما أن إيران تواصل شحن الأسلحة، والنظام السوري لا يقوى على الرد لعدم امتلاكه القدرة من ناحية ولا يريد أن يفتح على نفسه جبهة أخرى تضعف قواته أمام فصائل المعارضة المسلحة.
كاتب سوري