المؤسسة هي اجتماع مجموعة من الافراد في إطار تنظيمي واضح لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف سياسية أو اجتماعية او اقتصادية أو تجارية او غيرها، وتتعامل هذه المؤسسة مع الآخرين كبوتقة لإرادة هؤلاء الأفراد ونواياهم من أجل تحقيق أهدافهم، بحيث تصبح المؤسسة شخصية اعتبارية جامعة لهؤلاء الأفراد تمثلهم وتنطق باسمهم وتسعى لتحقيق رؤاهم وأهدافهم.
بينما تعرف المؤسسة السياسية بأنها اجتماع مصلحي بين مجموعة من الأفراد ممن يمتلكون أرضية مشتركة فيما بينهم كفكرة سياسية أو مذهب سياسي أو أهداف مشتركة أو آلية عمل مشتركة، لتحقيق أهداف مختلفة سواء بالحيز الفكري او الحيز المكاني, حيث تقوم هذه المجموعة بالعمل بانسجام وفق آلية متفق عليها مسبقاً ووفق هرم إداري، وآلية واضحة لاتخاذ القرارات وصولا لتحقيق الغايات المرجوة من اجتماعها, وتكون هذه الغايات دائمة في حالة الأحزاب مثلا بينما تكون مؤقتة في حالة الكيانات التي تتحالف نتيجة لحدث ما كالتحالفات الانتخابية او الثورات الشعبية مثلا.
من هذا المنطلق يمكننا وضع المؤسسات الناتجة عن الثورة السورية في إطار المؤسسات السياسية ذات الغايات المؤقتة كونها تتفق على فكرة وهدف بينما تتنازع ربما فكرياً فيما بينها، وبالتالي تكون فكرة التوافق بينها مجبورة على الاحتكام الى قواعد متفق عليها مسبقاً في ظل وضوح للفكرة والهدف ولآلية العمل.
مبررات تشكيل مؤسسات المعارضة:
1- الحاجة لوجود عقل للحراك الشعبي يوجه مساره نحو تحقيق الأهداف بشكل واعي.
2- الحاجة لوجود جناح سياسي قادر على قراءة الوضع السياسي وتجييره لمصلحة الحراك.
3- توفير مظلة الوعي اللازمة للحراك كي لا يتم حرفه عن مساره.
4- توفير الغطاء السياسي للحراك الثوري القادر على استثمار الحراك في ميدان السياسة الداخلية وتسويق الحراك دولياً.
5- توفير إدارة مناسبة للعمل الثوري بداية ثم لإدارة المناطق المحررة لاحقاً، ووضع النظم الإدارية المناسبة وفق خطط مسبقة وتوفير آلية الرقابة المناسبة لها.
6- حاجة المجتمع الدولي لشخصية اعتبارية تمثل الحراك الشعبي في سوريا يستطيع التعامل معها.
عوائق العمل السياسي الثوري في سوريا:
1- انعدام الخبرة السياسية في سوريا بسبب الفجوة التي حصلت في العمل السياسي السوري منذ العام 1963 حتى بداية الثورة السورية.
2- حالة التخبط التي بدت واضحة في المراحل الأولى من عمر الثورة، نتيجة للارتجال ونتيجة لعدم فهم السياسيين للحراك ما جعلهم يتأخرون عنه في المراحل الأولى ما دفعهم للالتحاق به وتقديم تنازلات شعبوية لكسب رضاه بدل الوقوف في الأمام لقيادته وتوجيهه بشكل فعال.
3- خروج السياسيين مبكراً من سوريا نتيجة إجرام النظام، وترك ساحة قيادة الحراك في الداخل لأشخاص لا يملكون الكفاءة والعلم الكافي واللازم لإدارة حراك شعبي، ثم سعي السياسيين في الخارج للحصول على قبول هؤلاء الأشخاص للحصول على شرعية ما لتواجدهم وبالتالي تضخيم شخصيات تحولت فيما بعد لأمراء حرب.
4- غياب رأس المال الوطني القادر على تمويل العمل السياسي وبالتالي لجوء الكثيرين نحو الممول الخارجي الذي فرض شروطه وفتح الساحة أمام المتسلقين.
5- عقلية الفساد السائدة في المجتمع السوري والطمع بالمكتسبات الآنية للأفراد الناتجة عن العمل في مؤسسات المعارضة.
6- غياب الآليات التنظيمية باعتبار هذه الآليات ترف لا تملكه الثورة.
7- عقد النقص التي برزت بشكل كبير بين السياسيين كعقدة الخواجة وعقدة الكرسي وفي بعض الأحيان متلازمة استوكهولم.
8- غياب التنظير عن الثورة وبالتالي عدم وضوح أسباب وأهداف الثورة لدى الكثير من السياسيين، وبالتالي عدم وضوح هذه الأهداف لدى الجمهور ما أثر على الممارسة السياسية التي ظهرت في كثير من الأحيان كمحاولة من هؤلاء السياسيين لدخول حكومة النظام لا أكثر.
9- تهافت السياسيين والأجسام المعارضة للحصول على اعتراف دولي "كل فريق من الدولة التي تناسب خطه السياسي" وذلك قبل الحصول أصلاً على الاعتراف من الحراك الثوري ما جعلهم لقمة سائغة لهذه الدول، وذلك لعدم ثقة كثير من السياسيين بالحراك أو للنظرة الفوقية التي امتلكها كثيرون منهم.
10- السماح للحراك العسكري بقيادة المرحلة الأهم من عمر الثورة وعدم قدرة السياسيين على خلق حالة التوازن معه بل والمساهمة في إفشاله عن طريق الداعمين أو عن طريق الزج بالعسكريين في أتون المعركة السياسية وإشغالهم عن دورهم الأساسي.
هناك بالتأكيد عوامل كثيرة كبحت العمل السياسي ولكن هنا أشير لأبرزها
لماذا فشلت مؤسسات المعارضة؟
في الحقيقة عوامل فشل مؤسسات المعارضة كثيرة ومتشعبة وتشير الفقرة السابقة على أغلب هذه العوامل لكني سأتناول هنا بعض العوامل التقنية في سياق العمل:
1- اعتماد صيغة المحاصصة غير المستندة لمعايير منطقية عند تأسيس أجسام المعارضة.
2- عدم وجود أنظمة عمل داخلية واضحة عند التأسيس وارتجال العمل في كثير من المناسبات.
3- عدم وجود وضوح في مصادر ومصارف الأموال ما فتح باب الفساد.
4- عدم وجود آلية أو حتى مرجعية واضحة ومناسبة للمحاسبة.
5- عدم وجود تخطيط استراتيجي أو حتى تكتيكي للعمل.
6- عدم وجود مهنية في الأعمال الإدارية أو في توزيع المناصب وفق الاختصاص وشيوع مبدأ الشللية، على أساس مناطقي أو حزبية أو غيرها.
7- عدم وجود شراكة مع مجتمع الثورة، وغياب الحوارات الفاعلة معه.
8- عدم امتلاك الأذرع الداعمة للعمل كالذراع الإعلامي أو الذراع البحثي أو التحليلي.
9- غياب المرجعية التي يمكن الرجوع لها في حال حصول تغيير ما في بنية المؤسسين وهنا أرغب في تقديم عدد من الأمثلة:
• في منصة القاهرة هناك 4 أشخاص فقط مسؤولون عن هذه المنصة التي تمثل جزءا لا بأس به من هيئة التفاوض في حين أن هذه المنصة عانت من انقسامات وانشقاقات كبرى، وبرغم ذلك حافظت على وجودها ذاته بسبب علاقاتها مع أجهزة المخابرات المصرية والاماراتية.
• في الائتلاف: استمرار وجود حصة لتنسيقيات الثورة برغم أن هذه التنسيقيات غابت تماماً عن الفعل منذ زمن طويل، بل غابت عن الوجود في كثير من الأحيان.
• في هيئة التفاوض: استمرار وجود بعض الشخصيات كممثلين لجهات لم تعد موجودة اصلاً، كالجبهة الجنوبية أو فصائل محافظة حمص أو فصائل الغوطة.
10- عدم قابلية هذه الأجسام لتغييرات منطقية في أعضائها تنسجم مع حالة الحراك السياسي وبروز أحزاب وشخصيات معينة في فترات معينة وغياب أخرى.
11- عدم وجود مراجعات دورية للعمل من أجل تطويره واستمرار عمل أشخاص في مناصب أساسية برغم ثبوت فشلهم فيها.
عوامل قوة أجسام المعارضة:
في الحقيقة حاولت إيجاد نقاط قوة أو حتى نقاط إيجابية بشكل حيادي وقد خلصت للنقاط التالية:
1- وجود نسبة لا بأس بها من التمثيل الحزبي.
2- حصولها على اعتراف نسبي من قبل المجتمع الدولي.
3- انخراطها في تجربة التفاوض مع النظام وتراكم الخبرة "حتى في ظل عدم وجود تنظيم وإدارة فاعلة".
4- امتلاكها لممثليات في عدد من الدول وانتشار أعضائها في أماكن مختلفة ما يمكن الاستفادة منه مع وجود خطط حقيقية وآليات عمل واضحة وآليات رقابة صحيحة.
5- علاقتها بالأجسام العسكرية "الثورية" وعلاقتها بالهياكل الحزبية والمدنية المختلفة.
هل يمكن إصلاح أجسام المعارض؟:
في الواقع لا يوجد شيء غير قابل للإصلاح إذا ما توافرت له العوامل الموضوعية والظروف المناسبة فما هي شروط نجاح عملية إصلاح هياكل المعارضة؟:
1- توسيع الجمعيات العمومية للأجسام الموجودة لتشمل أطيافاً جديدة لم تشارك من قبل فيها.
2- فتح حوارات بينية بين هذه الأجسام وبينها وبين باقي القوى السياسية على الساحة على شكل حوارات عامة وفق جداول زمنية محددة.
3- إقرار أنظمة داخلية جديدة تنظم العلاقات البينية بين الأعضاء وبين الموظفين بشكل واضح وعملي.
4- إقرار أوراق سياسية جديدة تستند للأرضية التي تشكلها الحوارات المذكورة في البند الثاني.
5- إقرار آليات رقابة ومحاسبة حقيقية باعتبار أن هذه المؤسسات ومن خلال ادعائها التمثيل العمومي فهي مؤسسات عمومية وليست مؤسسات سياسية تقليدية.
6- تشديد الرقابة المالية ومحاسبة الفاسدين بحرمانهم وفق نتائج تحقيقات مستقلة من جهات قضائية وحقوقية ثورية.
7- فصل الارتباط ما بين هذه المؤسسات وبين الدول الراعية لأفرادها وجعل قرارها وطنياً.
8- تغيير مقاربة التعامل مع الجانب العسكري بحيث يتم منح الضباط المنشقين الفرصة لإعادة هيكلة وتنظيم الفصائل التي ما تزال عاملة لتشكيل الجيش السوري الحر وذلك برقابة من المؤسسات السياسية.
9- تشكيل مجلس تشريعي يكون مرجعية لإقرار القرارات ويمكن أن يكون هناك مجالس متعددة لكل جسم تتولى عملية التشريع والرقابة.
10- تفعيل دور شباب الثورة بشكل جدي وادخالهم في هذه الأجسام لخلق سلسلة من التجارب لا تنقطع بخروج أحد او اختلافه مع الاخرين ومنح النساء السوريات دورهن الحقيقي.
وبالنظر للظروف الحالية وللسياق العام لعمل المعارضة السورية فإن تحقيق هذه المتطلبات ضرب من ضروب الخيال وبالتالي "كقناعة شخصية" لم يعد بالإمكان إصلاح هذه المؤسسات، وبالتأكيد الأمر متفاوت حسب المؤسسة سواء بشروط الإصلاح أو نوعية البنود الواجبة فيه، وهو بحث تفصيلي يمكننا القيام به في مراحل لاحقة.
هل يمكن تشكيل أجسام جديدة؟
للإجابة على هذا السؤال يجب ان نسأل عن الأمور التي تغيرت في العقلية الثورية السورية، ليستدعي منا تشكيل جسم جديد يتجاوز الأخطاء السابقة في ظل الظرف المحلي والإقليمي والدولي الحاكم, في الواقع لم تتغير العقلية كثيراً, بل يمكننا الزعم أن التغيير بات نحو الأسوأ مع بروز أمراض النظام ذاتها فينا, لكن هناك دائما فرص جديدة لتحقيق الأحلام الكبيرة, نعم يمكننا تشكيل أجسام جديدة لكن هذه الأجسام بحاجة بداية لتنظير كثير ولعمل كثير والأهم أنها بحاجة لنوايا صادقة لا تتوافر اليوم بشكل واضح, وبرغم ذلك يمكن للعمل التراكمي أن يساعد في هذه الفكرة من خلال عدد من الإجراءات سنحاول ذكرها في الفقرة الأخيرة.
ما هي الحلول المقترحة؟
1- تقديم مشروع وطني ثوري جديد يتبنى مقاربة جديدة للثورة ويحدد هدفها كونها ثورة لبناء سوريا الجديدة يشكل اسقاط النظام خطوة للوصول لها وما يستدعيه هذا الامر من مخاطبة الجميع للالتفاف حول هذا الهدف من كل الأطياف.
2- بناء علاقات بين أحزاب وقوى سياسية سورية لم تشارك مسبقاً في مؤسسات المعارضة لتشكيل جبهة قادرة على إحداث تغيير.
3- لا يوجد مشكلة في ترك الباب موارباً مع الكيانات الحالية والاجتماع معها والتعاون معها لكن على أن يكون هذا الأمر تكتيكي بينما تبقى الاستراتيجية هي بناء واقع جديد للعمل السياسي السوري.
4- تشكيل المظلة الآمنة للعمل السياسي من خلال مجلس لرجال الأعمال تؤمن استمرارية العمل وفق شرطين للتمويل أولهما ان يكون رأس المال وطنياً وثانيهما أن يكون غير مشروط.
خاتمة:
بالتأكيد أن ما يجري اليوم على الساحة الثورية هو أمر غير صحيح، بل هو معول هدم في صرح الثورة الذي تم بناؤه بدماء شهدائنا، الأمر الأكثر تأكيداً أن العمل في ساحة من الفوضى هو عمل مرهق لكن باستطاعتنا هندسة هذه الفوضى لنجعلها فوضى خلاقة قادرة مع الوقت والجهد لفرض حالة استقرار سياسي تؤهلنا لتحقيق أهداف ثورتنا، هناك عمل كثير مطلوب ضمن جدول زمني مرهق وضاغط، لكنها جراحة مؤلمة لا بد من تنفيذها اذا ما كنا جادين في الوصول لأهداف ثورتنا، حيث أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيقودنا لكارثة كبرى.
ملاحظة: تحدثت هنا بشكل عام عن كل مؤسسات المعارضة ويمكننا تخصيص الحديث وتوسيع البحث مع كل مؤسسة على حدى في مرات قادمة