في اليوم العالمي للغة العربية: قفا نبك

اللغ العربية
اللغ العربية


كبعض أبناء جيلي بدأت أفك الحرف في ما كان يسمى أنئذ بالكتّاب، أي عند شيخ القرية الذي خصص غرفة واسعة من منزله لاستقبال الأطفال لتحفيظهم بعض سور القرآن الكريم عن ظهر قلب، والأبجدية العربية سماعيا في البداية، " ألف لا شن عليها، والبي نقطة من تحتا". حرف الألف كان مرتبطا بمخيلتي بالعصا لأني كنت أسمع جدي يصم أخي الأكبر بأنه لا يفرق بين الألف والعصا، وعندما هوت أول عصا على رأسي من الشيخ قلت: ألف وبكيت، وعندما شكاني لجدي الذي قام على تربيتي في بداية تعلمي سمعته يقول له: اللحم لك والعظم لنا. ومن الخوف على لحمي من عصا الشيخ أبي عبد الله كنت ألجأ لأخي كي أحفظ منه سور القرآن، وحروف الأبجدية. رحم الله الشيخ أبا عبد الله الذي علمني ليس بالقلم ولكن بالعصا التي أبكتني يوما ولكن اليوم أقدرها حق التقدير. قادتني الظروف لأتعلم لغات أخرى في عقر دارها، وبطرق عصرية بدون العصا، وكانت السوسة التي تنخر في ذهني دائما هي المقارنة بين هذه اللغات ولغتي الأم، فوجدت أولا أن لغتي هي الأقدم منها بأكثر من ألف سنة وسنة مما نعد أو أكثر، ولقدمها فإن مخزونها الثقافي أكبر بكثير من أي مخزون لأي لغة أخرى تصغرها سنا، ففي الوقت الذي كان العرب يقرضون الشعر الجاهلي ويقول امرؤ القيس: قفا نبك.. لم يكن للغات الأوربية أثر فاللغة السائدة كانت اللاتينية والرومانية، وكلتا اللغتين أندثرتا بينما بقيت العربية حية تعيش وتتطور. ثم أبجدية الضاد تضم حرفين زيادة على هذه اللغات، عدا عن استئثارها بحرف الضاد. هذا التراكم الثقافي الأدبي، والعلمي، والفلسفي، جعل منها لغة عالمية علمت أوربا كيف تحبو رويدا لبناء نهضتها بعد أن نهلت من مدارس قرطبة ما نهلت، وتهافتت على العربية التي كانت لغة عالمية لقراءة تهافت ابن رشد بعد أن أوقف أرسطو على قدميه بعد أن كان يقف على رأسه. ثم اكتشفت أن هذه اللغات قد تضمنت كلمات كثيرة من العربية، وأكثرها الإسبانية، والبرتغالية، والتركية، والفارسية، وباتت ذات استخدام بين الناس. ويضاف إلى هذا أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، فكل مسلم يقرأ سوره مهما كانت لغته الأم بالعربية، من أندونيسيا إلى المغرب، ومن الشيشان إلى اليمن. العالم يحتفل اليوم باللغة العربية، والفيفا تقترح لتكون إحدى اللغات المعتمدة لديها، وهذا دليل آخر على أهمية هذه اللغة. اليوم أقف حائرا، بل مستهجنا كيف يحاول البعض مسخ هذه اللغة التي نفتخر ببلاغتها الفريدة، وتحويلها إلى لغة عامية، فظهرت الإعلانات التجارية، ونشرات إخبارية في قنوات إذاعية وتلفزيونية، باللغة العامية، بل أن لغة التخاطب في وسائل التواصل الاجتماعي حصريا باللغة العامية، والأنكى من هذا وذاك أن متخرجي شهادات عليا، في بلاد العرب أوطاني، يرفعون المنصوب، وينصبون المرفوع، ويجرجرون الساكن، لا يفرقون بين الفاعل ونائبه، والمفعول به وفيه. فلو كان أبو عبد الله، شيخي الجليل، رحمه الله مرة أخرى، بعصاه الطويلة، التي لو ألقاها لوقفت مستقيمة كالألف، حيا لقال كما قال امرؤ القيس قبل ألفي عام: قفا نبك..