تداول السوريون خلال اليومين الماضيين خبرَ وفاة شخصين بشكل متزامن، الأول هو الطيّار السوري المنشق عام 1980 "مأمون النقّار"، والثاني هو المحلل السياسي لمحور المقاومة والممانعة "أنيس النقّاش". وقد كان لافتاً، لاسيما في الأوساط السورية المعارضة على مواقع التواصل، حجم الاحتفاء والحزن على الأول، والشماتة على أقل تقدير بالثاني، وهذا عند القليل الذين ذكروهُ أساساً.
مأمون النقار، رغم أنه كان مجهولاً لكثيرين حتى يوم وفاته، إلّا أنّ رحيلهُ أكسبهُ رمزّيةً في الوجدان السوري كأول طيّار سوريٍ ينشقُ عن نظام الأسد، ويقولُ لا لحافظ الأسد عام 1980، وذلك بعد حوالي 10 سنوات من استلامه الحكم، تماماً مثلما فعل الشعب السوري مع الوريث بشّار الذي قامت ثورة الشعب السوري عليه بعد عشر سنوات.
فكّر النقّار كما فكّر الشعب السوري، بالحريّة والخلاص من هذا النظام الفاشي المستبد، فنظّم مع مجموعة من رفاقه الضباط في الجيش تشكيلَ "الضباط الأحرار" عام 1980 للإطاحة بحكم الأسد الأب، تماماً مثلما فعلَ الضباط المنشقون بعد انطلاقة الثورة السورية عام 2011.
دفعَ النقّار الثمن غالياً لاحقاً، مثلما دفعَهُ الهرموش والضباط المنشقّون، حيثُ قام النظام باعتقال أسرة النقّار لسبعة عشر عاماً كرهائن من أجل تسليم نفسه، ناهيك عن الضعوط التي مارسها حافظ الأسد على ملك الأردن التي استطاعَ اللجوء إليها في اللحظات الأخيرة قبيل القبض عليه مع زملائه الذين تم اكتشاف أمرهم.
كتبَ السوريون الكثير من الكلام في وفاة مأمون النقّار، أصدقاؤه الذين كانوا يعرفونه أفشوا الكثير من الأسرار التي يعرفونها عنه، قالوا كيف رفضَ هذا الطيّار البطل قصفَ شعبه، بعد أن رأوا الطائرات تقصفهم بأمّ أعينهم وتُنزلُ البراميل والصواريخ والحاويات والكيماوي عليهم.
أكثرُ ما استرعى نظري في كل الأخبار والمنشورات والتغريدات عن مسيرة حياة الطيّار مأمون النقار، موضوعُ ارتباطه المؤقت جداً بالمعارضة السياسية السورية بعد الثورة، فقد امتثلَ النقار لنداء الواجب والثورة التي كان ينتظرها وبدأها بنفسه قبل عقود، فكان أحد أعضاء المجلس الوطني السوري بعد التأسيس.
لكنهُ سرعان ما استقال بعد أشهر قليلة، معتزلاً العمل السياسي كلّه منذ ذلك الحين. الأمر الذي يطرحُ الكثير من علامات الاستفهام عن واقع المعارضة السورية السياسية من الداخل، منذ البدايات، وليس الآن فقط.
انحازَ النقّار للشعب وثورته التي ظلّ ثابتاً عليها وقابضاً على جمرتها حتى وفاته. فخلّدهُ الشعب السوري كبطلٍ ورمز. وانحاز النقّاش إلى الأنظمة المستبدة التي ماتَ وهو يبرر لها ويدافعُ عنها، فكانَ مصيرهُ الإهمال في مزبلة التاريخ.