زعم المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث بأن الأمازيغ الذين هم مكوّن للهوية الوطنية وفق الدستور الجزائري، «صنيعة صهيونية فرنسية» وأنهم عرب كنعانيون، (والذي أمر القضاء الجزائري بإيداعه بالسجن المؤقت بعد هذه التصريحات) كمؤرخ يمكن أن يقدم نظريته في الأصول الأمازيغية كما يحلو له ولكن بالدليل القاطع، وبالثوابت العلمية والتاريخية، ولكن لا يمكنه أن ينعت شعبا بأنه «صنيعة صهيو ـ فرنسية» فهذه الصفة تصنف إعلاميا وقانونيا في خانة القدح والذم والتشهير ولكل أمازيغي الحق في الرد عليه، وليس لها أي علاقة بعلم التاريخ، ولا بتاريخ شعوب الأمازيغ في مجمل بلاد شمال إفريقيا.
وإذ أتحدث اليوم في المسألة الجزائرية لأنها تخصني شخصيا منذ طفولتي، فأنا إن نسيت فلا أنسى ذاك اليوم الذي دخلت فيه المدرسة الابتدائية في دمشق وكان اسمها موسى بن النصير، ولأجل الصدفة أن هذا القائد المسلم هو الذي قام بقيادة الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا وتآخى مع شعوبها الأصيلة الأمازيغ إذ قال في خطبته في القيروان في العام 85 للهجرة لهم:«أنا رجل كأحدكم، مَن رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضّ على مثلها، ومَن رأى مني سيئة فلينكرها، فإني أُخطئ كما تُخطئون، وأُصيب كما تُصيبون» والشرح يطول وربما الجدل أيضا في تلك الحقبة من تاريخ شمال إفريقيا بأكمله، ولكن من المؤكد أن الأمازيغ واجهوا الفتح الإسلامي بقيادة الكاهنة، ولكن فيما بعد كانوا سندا قويا للمسلمين في كل ما قاموا به وخاصة في فتحهم للأندلس ويكفي اسم طارق بن زياد الذي يبرز في كل حديث عن فتح الاندلس عندما قال قوله الشهير بعد أن أحرق المراكب:«البحر من أمامكم والعدو من ورائكم». وتاريخيا في العام الأمازيغي الـ 2968 يحتفى الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية في 12 كانون الثاني من كل عام، وهو اليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي شيشنيق على ملك الفراعنة رمسيس الثالث.
وهذا دليل على امتلاك الأمازيغ تاريخا مشرقا في كافة فصوله، فهم أمة سميت باللغة الأمازيغية بالأمازيغ وتعني الشعب الحر. أما كلمة البربر فهي كلمة رومانية كني بها هذا الشعب لأنه واجه الرومان عندما غزوا بلادهم مواجهة الأبطال.
وإن كان العلامة العربي ابن خلدون أرجع أصل الأمازيغ إلى أصول كنعانية فربما أخطأ في ذلك فشمال إفريقيا وخاصة الجزائر، تشير الآثار فيها إلى أن عين الحنيش الجزائريّة أحد أقدم المواقع الأثرية في الجزائر، هي الشاهد على أقدم الآثار للسيطرة البشرية في المغرب، إلى جانب العثور على محاور أثرية يعود تاريخها إلى 200000 سنة في منطقة سيدي عبد الرحمن.
فالبلاد لم تكن خالية، وكان هناك شعوب متواجدة قبل وصول إليسا الفينيقية الكنعانية إلى قرطاجة التي فاوضت مع الملك المحلي بأن يمنحها قطعة أرض بحجم جلد ثور. هذا من حيث التاريخ.
إن شعوب الجزائر وتونس والمغرب بكل أطيافهم من عرب وأمازيغ، كالشعب السوري من أكثر الشعوب العربية تأييدا للقضية الفلسطينية
ولكن إذا عدنا إلى مدرستي في دمشق وأول شعور وطني أشعر به، كان في أول يوم وقفت في باحة المدرسة مع الباقين، وفي وسط الباحة كان هناك سارية علم رفع عليها العلم السوري، والعلم الجزائري، وطلب مراقب المدرسة أن نبدأ بقراءة النشيد الوطني السوري: «حماة الديار عليكم سلام»، ثم النشيد الوطني الجزائري: «قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات»، وذلك تأييدا للثورة الجزائرية التي اندلعت في تلك الفترة ضد فرنسا من قبل جبهة التحرير الوطني. وعندما زرت الجزائر خلال العشرية السوداء في تغطية إعلامية كان أول شيء عملته هو زيارة نصب الشهيد على هضبة عالية تطل على البحر المتوسط، وهناك قرأت الفاتحة على كل شهداء الجزائر.
كان الشعب السوري متحمسا جدا لهذه الثورة، فعلاقات سوريا مع الجزائر تمتد منذ الحكم الأموي إلى الآن، وقد استقبلت سوريا الأمير عبد القادر الجزائري الذي قاد الثورة الجزائرية عقب الغزو الفرنسي، وكل عائلته وحاشيته بعد نفيه من قبل فرنسا، وقد ساهم هو وأولاده في الحياة السياسية السورية، ولا تزال إلى اليوم جالية كبيرة من الجزائريين السوريين، وقام السوريون بإرسال فريق كبير من المعلمين بعد التحرير للنهوض بالتعليم في الجزائر.
وتعتبر الثورة الجزائرية، أو ثورة المليون شهيد من أعظم الثورات العالمية بمشاركة كل أبنائها من عرب وأمازيغ فالكثير من كوادر حزب جبهة التحرير الوطني تنتمي لأصول أمازيغية. وكان الأوراس منذ بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر، سنة 1830، حاضنة المقاومة وقلاعها الجبلية المنيعة، وتعتبر فاطمة سيد أحمد نسومر، التي أطلق عليها المؤرخ الفرنسي «لوي ماسينسون» لقب «جان دارك جرجرة» من السيدات الأوائل اللاتي أطلقن في العام 1857 الثورة ضد الفرنسيين.
وفي العام 1879 قاد الشيخ محمد الصالح بن عبد الرحمن، زعيم الطريقة الرحمانية، مقاومة شعبية ضد الفرنسيين، عرفت بـ «ثورة الأوراس، ومن بين أسماء المجموعة، ( حسين برحايل، والصادق شبشوب، وعلي درنوني، ومسعود بن زلماط، وعيسى المكي، وقرين بلقاسم، وآخرون).
ومع اندلاع الثورة الجزائرية شكلت جبال الأوراس عرينا حقيقيا لرجال جبهة التحرير الوطني، فمنها أطلقت أول رصاصة في الثورة ليلة 31 أكتوبر/تشرين الأول 1954، وفيها اجتمعت النواة الأولى للجبهة بقيادة ابن المنطقة مصطفى بن بولعيد. فكيف يمكن أن نصف هؤلاء الذين ضحوا بدمائهم ودماء أبنائهم بصنيعة «صهيو ـ فرنسية» ولو كانوا كذلك لكانوا التحقوا بالفرنسيين بعد الثورة وبعد أن جلوا عن الجزائر كما فعل الحركيون.
ولا شك أن هناك من نادى بمطالب محقة لأنهم مكون أساسي في المجتمع الجزائري، في الاعتراف باللغة الأمازيغية، والثقافة الأمازيغية، لأنها قدمت الكثير من الكتاب والفنانين والموسيقى الأمازيغية (أول رواية بالأمازيغية صدرت عام 1946 بعنوان ولي الجبل لبلعيد آيت أعلي) وقد أصدر الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة قرارا رئاسيا يعتبر رأس السنة الأمازيغية عطلة مدفوعة الأجر لكل العاملين، وإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية، وقال: «هذا الإجراء، على غرار كل الإجراءات التي اتخذت سابقا لصالح هويتنا الوطنية بقومياتها الثلاث الإسلامية والعربية والأمازيغية، كفيل بتعزيز الوحدة والاستقرار الوطنيين، في الوقت الذي تستوقفنا فيه العديد من التحديات على الصعيدين الداخلي والإقليمي» وهذه التحديات قائمة اليوم. ولا يجب أن نغفل دور الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم في نصرة الشعب الفلسطيني، ودعم منظمة التحرير الفلسطينية، وما تقوم به من جهد دبلوماسي كبير لنصرة اهل غزة في مجلس الأمن.
وبالطبع فإن شعوب الجزائر وتونس والمغرب بكل أطيافهم من عرب وأمازيغ، كالشعب السوري من أكثر الشعوب العربية تأييدا للقضية الفلسطينية. وقد لعبت الجزائر دورا رائدا في قيادتها لحركة عدم الانحياز، وفي دعم دول عربية كثيرة، ووجودها يدعم الاستقرار في شمال إفريقيا، خاصة وأنها كانت سدا منيعا ضد الإرهاب الذي اجتاح كل شمال إفريقيا ولا يختلف اثنان أن أيادي الفتن الطائفية لزعزعة استقرار دول عربية بأكملها بما فيها الجزائر لا هدف لها سوى تفتيت هذه الدول والسيطرة عليها.
كاتب سوري