نعى ناشطون سوريون وصحفيون ومثقفون الكاتب والمؤرخ السوري "فايز قوصرة " إذ وافته المنية بعد صراع مع المرض في مدينة إدلب (الخميس 24 أيار 2024) عن عمر يناهز 79 عاماً، بعد مسيرة ممتدة لعشرات السنين في توثيق المواقع الأثرية في مدينة إدلب والبحث في تاريخها، فلقّب “مؤرخ إدلب”.
وُلد المؤرّخ الراحل عام 1945 في أسرة ثقافية، وكان شغوفاً منذ طفولته بـ التاريخ والآثار، متأثّراً في ذلك بجدّه لأمّه، المؤرّخ محمد راغب الطبّاخ الحلبي، مؤلّف كتاب "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" (سبعة أجزاء)، والذي أهدى له كتابَه "إدلب المدينة المنسية"؛ حيث كتَب: "إلى جدّي لأُمّي محمّد راغب الطبّاخ الذي أرّخ لحلب، وأوّل من طبع عن تاريخ إدلب"، كما يذكر قوصرة، في الإهداء نفسه، أنّ خاله محمد أسعد مقيد، الذي كان لواءً جوّياً، ألّف كتاباً بعنوان "مسيرتي في الحياة: تاريخ ما لم يؤرّخ له الآخرون" (2005).
حاز فايز قوصرة إجازتَين في التاريخ والدراسات الفلسفية والاجتماعية من "جامعة دمشق"، والتحق بالمركز الثقافي الذي افتتح في إدلب عام 1960، ونشر أوّل مقالٍ له بعنوان "إيمانٌ بالنجاح" عام 1962 في مجلّة "الخمائل" الحمصية، والتي عمل مراسلاً لها. كما عمل مراسلاً ومحرّراً في العديد من الصحف والمجلّات؛ من بينها صحيفة "إدلب الخضراء" التي تولّى إدارة تحريرها عام 1986، ومجلّة "سنابل" الليبية التي عمل محرّراً وكاتباً فيها عام 1990.
نشر المؤرّخ الراحل أوّل كُتبه عام 1986 بعنوان "الرحّالة في محافظة إدلب"؛ حيث خصّص الجزءَ الأوّل لإدلب ومعرّة النعمان، والثاني (صدر عام 1988) لأريحا وجسر الشغور. بعد ذلك، استمرّت مؤلّفاتُه التي وصل عددُها إلى قرابة ثلاثين كتاباً، وثّق فيها جوانب مختلفةً من تاريخ إدلب ومعالمها الأثرية.
من بين مؤلّفاته تلك: "قلب لوزة درّة الكنائس السورية" (بالعربية والإنكليزية)، و"إدلب البلدة المنسية" الذي استعرض فيه حال السكّان والزوايا والتكايا والمساجد والمقابر منذ القدم وحتى الوحدة بين سورية ومصر والتغييرات التي طرأت على إدلب في التاريخ الحديث، و"عربٌ على عرش روما"، الذي روى فيه قصص سبعة أمراء عرب حكموا روما، و"من إيبلا إلى إدلب" الذي تضمّن أكثر من 140 وثيقةً وصورة.
ومن كتبه أيضاً: "التاريخ الأثري للأوابد العربية الإسلامية في محافظة إدلب"، و"الثورة العربية في الشمال السوري: ثورة إبراهيم هنانو"، و"آثارنا في لوحات فوغويه"، و"حصن شُغر - بكاس: حطّين الثانية"، و"مدينة كفر تخاريم: الأصالة الدائمة"، و"جولة في متحف إدلب"، و"جولة أثرية في كفر البارا وضواحيها"، و"أضواء جديدة في تاريخنا الأثري"، و"حارم: دمشق الصغرى"، و"شهبا في التاريخ الأثري"، و"ولاية الفوعة". كما حقّق قوصرة كتباً أُخرى؛ من بينها "الحلّة السَنية في الرحلة الشامية" لمحمد الكيالي بن عمر.
في أحد لقاءاته الصحافية قبل سنوات، تحدّث فايز قوصرة عن رؤيته التي تستند إلى "ربط التاريخ والآثار"، قائلاً إنّ "علم التاريخ لدينا فيه ثغرة كبيرة؛ حيث يجري الاعتماد على الحوليات القديمة دون الجديدة التي تتمثّل في اللقى والمواقع الأثرية التي نُقّب فيها، والتي تُعطينا صورةً أصدق مِن قيل وقال"، مُضيفاً أنّه اهتمّ بكشف "أسباب هذه الحضارة العظيمة والغنى الأثري فيها"، حيث يوجد "ألف موقع أثري في محافظة إدلب، ففي كلّ ثلاثة كيلومترات يوجد موقع أثري"، مبيّناً أنّ أبرز سبب هو "وجود المنطقة في موقع وسطي يشكّل عقدة مواصلات". وفي لقاء آخر، تحدّث عن تأثّره بسنوات الحرب التي عاشتها سورية، مُشيراً إلى أنّ لديه قرابة عشرين كتاباً آخر لم تُنشر بعد.