أثرت الحرب في سوريا على القطاع التعليمي في البلاد، مثله مثل غيره من جوانب الحياة المختلفة، خاصة بسبب المعارك الدائرة على امتداد الجغرافية السورية، وقمع السلطات للمواطنين والضغوط التي تمارسها عليهم، والاعتقالات العشوائية التي تعرضوا لها، ومطالبة الشبان بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وسوء الأوضاع الاقتصادية، والتي حالت جميعها دون اكمال كثير من الطلاب دراستهم، واللجوء إلى خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام، لا بل الجرة إلى خارج البلاد بحثاَ عن الأمان وفرص جديدة للحياة.
كان إقليم كُردستان من المناطق التي لجأ إليها السوريون وخاصةً الكُرد منهم، حيث استقبل الإقليم أعداداً تراوحت بين 250 -300 ألفاً من السوريين خلال العشر سنوات الماضية، حسب إحصائيات المفوضية اللاجئين للأمم المتحدة، عدد كبير منهم من الطلبة الجامعيين الذين اُضطروا إلى قطع دراستهم، تحت وطأة الملاحقة.
وعلى الرغم من امتناع الحكومة الاتحادية العراقية في بغداد، من تحمل مسؤولياتها تجاه اللاجئين السوريين، فقد أصدرت حكومة إقليم كُردستان العراق جملة من القرارات التي أسهمت في تسهيل حياتهم ومنحهم فرص تحسين أوضاعهم المعيشية، وكان منها قرارات خاصة بالجانب التعليمي وفي مقدمتها؛ سماح الجامعات الحكومية في إقليم كُردستان للطلبة السوريين باستكمال دراستهم، ومنحهم فرص العمل بعد التخرج.
إضافة إلى مبادرة حكومة إقليم كُردستان، تعاونت عدة منظمات دولية في تقديم المنح الدراسية للطلاب السوريين، وتغطية نفقاتهم التعليمية؛ بما فيها منحهم رواتب شهرية وتأمينهم صحياً وتغطية نفقات المواصلات طوال مدة الدراسة، ومنها منظمة "سبارك" الهولندية و"برنامج المنح" لمبادرة "ألبرت أينشتاين DAFE، وبرنامج المنح HOPS، التي تتحمل نفقات التعليم للمقبولين، وتقديم رواتب شهرية لهم.
الصحفي محمود علي عيسى: عدسة الكاميرا أقوى من أزيز الرصاص
محمود علي عيسى (33عاماً)، مقيم في مدينة أرييل عاصمة إقليم كُردستان، كان طالباً في إحدى كليات جامعة حلب، وتم سحبه من مدرجات الجامعة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، ولإنه رفض المشاركة في تلطيخ يديه بدماء السوريين؛ أنشق عن الجيش السوري، ولجأ إلى مدينة أربيل.
يقول محمود لموقع "السوري اليوم": أدركت إن النظام لن يسقط بسهولة، وإن العودة إلى مقاعد الدراسة شبه مستحيلة، فقررت الخروج من سوريا والبحث عن فرصة جديدة، لبدء مسيرتي الدراسية، فاتجهت إلى مدينة أربيل.
وعن بداياته يقول محمود: عملت في بداية إقامتي في عدة المهن، إلا أنه مع التسهيلات التي قدمها الإقليم للطلبة السوريين؛ قررت العودة إلى مقاعد الدراسة، وتم قبولي في كلية الإعلام في جامعة صلاح الدين.
يضيف محمود علي عيسى: على الرغم من الظروف الصعبة التي رافقتني طيلة مدة دراستي، إلا إنني استطعت بعد مرور أربع سنوات من الحصول على الإجازة الجامعية في الصحافة، وأعمل الآن في إحدى القنوات الفضائية في أربيل.
وختم عيسى قائلاً: أتمنى العودة إلى سوريا والعمل على نقل مآسي السوريين من خلال عدستي، فقد توصلنا إلى نتيجة بعد عشر سنوات عجاف من الحرب، بإن ومضة الكاميرا كانت أقوى من أزيز الرصاص في ترجمة معاناة المظلومين.
الطالبة نركز إدريس شكر: بين شبح زواج القاصرات وحلم الدراسة في كلية الطب
تسرد نركز ادريس شكر (21 عاما")، المقيمة في مدينة دهوك لـ "السوري اليوم" تجربتها الدراسية قائلة: حين وصلت إلى إقليم كُردستان بصفة لاجئة، لم تكن هنالك مدرسةٌ ثانوية في المخيم حديث الإعداد الذي أقمت فيه، فشعرت لبعض الوقت، بأن ما أعيشه من حرمان من الدراسة سيكون قدراً أبدياً، خاصةً وقد بدء شبح زواج القاصرات يلتهم صديقاتي الواحدة تلو الأخرى، فابتعدت عن عائلتي لعامين كاملين لأدرس في مخيم دوميز، وسرعان ما تكللت جهودي بالقبول في كلية الطب البشري العام في جامعة دهوك.
تضيف نركز: أدرس الآن في السنة الخامسة، وأنا من الأوائل في الكلية منذ بداية الدراسة، وها أنا على بعد عامٍ واحدٍ من التخرج لأصير طبيبة. أحلم أن أكون طبيبة متميزة، وأن أختص في فرع الجراحة وأخفف آلام كل من يقصدني.
ختمت نركز حديثها قائلةً: أنا ممتنةٌ جداً للفرص التي أتيحت لي، وأنا من يعرف حق المعرفة، كيف فقد الشبابٌ السوري أحلامهم بل وأرواحهم في هذه الحرب، إذ حصدتها صواريخ بشار الأسد والتجنيد الإجباري وزواج القاصرات.
الخريج الجامعي عمر زيدان: حملت إرادة الدراسة من جامعة حلب إلى جامعة السليمانية
عمر زيدان (28 عاماً)، مقيم في مدينة السليمانية، كان يدرس في كلية الحقوق في جامعة حلب عندما بدأت الحرب. يقول عمر: رغم الظروف المأساوية في سوريا، فقد درست عدة سنوات، لأنني كنت أتمتع بإرادة قوية لمواصلة الدراسة، ولكن مع ظهور تنظيم داعش وانتشاره على مساحات واسعة في البلاد، وانقطاع المواصلات بين منطقتي كوباني/عين العرب وحلب، اضطررت للابتعاد عن مقاعد الدراسة، وجاء ذلك في فترة ساءت فيها الأوضاع الاقتصادية، وعندما هاجم التنظيم المدينة؛ توجهت إلى تركيا ومنها إلى إقليم كُردستان العراق.
يضيف زيدان قائلاً: أدركت إن إقامتي هنا ستطول، لذا بدأت أفكر في رسم مستقبل جديد. بقي حلم نيل إجازة الجامعية يروداني باستمرار، ومع استقراري في محافظة السليمانية؛ عملت متطوعاً في العديد من المنظمات الإنسانية، بالإضافة إلى العمل مدرساً في مدرسة للاجئين السوريين، إلى أن تم قبولي في منحة دراسية في جامعة السليمانية، واستطعت في العام الماضي الحصول على الإجازة في الإدارة والاقتصاد.
أردف زيدان: أستطيع القول إن جزء كبير من أحلامي تحققت، ولكن لا يكتمل ذلك إلا بعودتي إلى سوريا، والمساهمة في خدمة أهالي منطقتي.
ختم زيدان حديثه لـ "السوري اليوم": أود أن اشكر كل من ساهم في اكمالي لمشواري الدراسي، وفي مقدمتهم حكومة إقليم كُردستان، التي وبالرغم من امكانياتها الصعبة، وعدم وجود الدعم الأممي الكافي للاجئين وعدم الحكومة العراقية في بغداد عن القيام بواجبها، إلا أنها اعطت حكومات المنطقة وفي مقدمتها العربية التي رفضت استقبال السوريين، مثالاً في الإنسانية.
الشابة ليلى سليمان: شرط تصديق الشهادة الثانوية حال دون دخولي الجامعة
إلى جانب هؤلاء الذين أنهوا دراستهم الجامعية أو لا يزالون يتابعونها، يشكو عدد من الشبان من القرارات الأخيرة التي أصدرتها مديرية تعديل الشهادات في أربيل، والمتعلقة بمعادلة وتصديق الشهادة الثانوية العامة، التي تخول الطالب الدراسة الجامعية، ومن متطلباتها تصديق النسخ الأصلية للوثائق الدراسية من السفارة العراقية في دمشق، الأمر الذي يعرض الطلاب لمخاطر، ويكلفهم مبالغ كبيرة ويجعلهم عرضة لاستغلال السماسرة.
ليلى سليمان، وهي طالبة حاصلة على الشهادة الثانوية السورية، وتعيش في مخيم آكري للاجئين السوريين، شرحت لـ "السوري اليوم" المشكلة الخاصة بمعادلة شهادتها الثانوية، وعجزها عن استكمال أوراقها.
قالت ليلى: تم قبولي بمنحة دراسية في إحدى جامعات إقليم كُردستان، ولكن شروط معادلة شهادة البكالوريا وقفت حائلاً أمام قبولي، بسبب عدم قدرتي على تلبية تلك الشروط.
المهندس أحمد محمد أمين: حصلنا على استثناءات للطلاب ونعمل على تسهيل اجراءات القبول الجامعي
للاستعلام حول الاشكالية الخاصة بتعديل الشهادات السورية، وامكانية إيجاد حل لها، تواصل فريق "السوري اليوم" مع المهندس أحمد محمد أمين، ممثل إحدى المنظمات الطلابية في إقليم كُردستان.
تحدث المهندس أحمد محمد أمين لموقعنا قائلاً: نقدر عالياً الجهود الثمينة والمواقف الإيجابية لحكومة إقليم كُردستان تجاه الطلبة السوريين، ليس منذ بداية الثورة السورين فحسب، بل قبل ذلك بكثير، عندما استقبلت جامعات الإقليم الطلبة السوريين المفصولين من قبل السلطات الأمنية السورية، على خلفية انتفاضة 12 آذار 2004، وتكرر ذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية بعد اندلاع الثورة السورية، حيث يلتحق المئات من الطلبة سنوياً بجامعات الإقليم، وقد تخرج كثيرون وانخرطوا في سوق العمل.
وبخصوص قرارات معادلة شهادة البكالوريا، ذكر أمين بأن هذا القرارات جاءت على خلفية ظهور حالات التزوير في الوثائق المدرسية، نتيجة الفوضى العارمة التي أصبحت تعيشها سوريا، وإنهم كاتحاد الطلبة في إقليم كُردستان قابلوا وزير التربية في الإقليم، الذي أصدر الاستثناءات المؤقتة لقبول الطلاب السوريين، شريطة استكمال خطوات معادلة شهاداتهم فيما بعد.
وختم المهندس أمين حديثه لموقعنا بالقول، بأنهم يعملون في الآونة الأخيرة على التواصل مع ديوان مجلس وزراء الإقليم، للحصول على تسهيل اجراءات القبول الجامعي للطلبة السوريين.