نشر المرصد في تقرير له شهادات ناجين من المعتقلات، لم يكشف عن أسمائهم الكاملة، قال أحدهم إن "الفرع 215 في منطقة المزة بدمشق كان يعتبر مسلخا بشريا، بحسب ما عاينه خلال فترة وجوده بداخله بين عامي 2012 و2013".
وأضاف الشاهد قوله: "كان يسقط تحت التعذيب بشكل يومي ما بين 10 إلى 20 معتقلا، وغالبيتهم كانوا يسقطون نتيجة انعدام العلاج داخل الفرع وعدم إخراج المرضى والمصابين بسبب التعذيب للعلاج خارج الفرع".
وقال الشاهد إن الجثامين كان يتم إخراجها لعدة أماكن ومن بينها "المشفى 601"، حيث يوجد بالقرب من هذا المشفى مجموعة كبيرة من الحفر المجهزة لدفن الجثث.
إجراق الجثث
ونقل وتروي ناجية أخرى قصة امرأة من المعتقلات كانت مكلفة بنقل جثامين ضحايا التعذيب من "فرع فلسطين" بدمشق، حيث تقول إنها كانت تقوم مع ثلاثة نساء أخريات بنقل الجثث من الزنازين "إلى سيارة براد خضار" لتنقل الجثث من داخله إلى الدفن أو الحرق.
وذكرت تلك السيدة، بحسب المرصد، اسم الضابط المسؤول عن التعذيب.
ونقل معتقل آخر قصصا رواها له معتقلون سابقون من فرع "نجها" في ريف دمشق، قالوا له إن الفرع هذا يعتبر مكانا لتعذيب وقتل المعتقلين، وليس اعتقالهم.
وقال إن الجثث التي تخرج يوميا من داخل هذا الفرع تؤخذ ويتم حرقها ودفنها بشكل جماعي على أطراف القرية "حتى أن الروائح الكريهة المنبعثة من هذه المقابر عمت المنطقة وكانت تصل لداخل الفرع".
وقال إن هناك مقابر جماعية كان عناصر "الأجهزة الأمنية" يقومون بنقل جثث المعتقلين إليها من داخل سجن "صيدنايا" سيء الصيت، وتوجد هذه المقابر في بلدة تسمى تلفيتا في ريف دمشق، حيث كانت تحرق الجثث باستخدام آلة تشبه آلة تحضير الإسمنت، ثم يتم دفن بقايا الجثث المحترقة المتفحمة في هذه المقابر الجماعية".
تصدر السلطات السورية شهادات وفاة للمعتقلين مبينة أن أسباب الوفاة صحية
ويؤكد أيضا أن الأجهزة الأمنية في غالبية الأفرع الأمنية والسجون وخصوصا سجن “صيدنايا” كانت تتحفظ عن المعلومات بشأن المعتقلين الذين يسقطون تحت التعذيب، والبعض منها تقوم فقط باستدعاء ذوي المعتقل وتسليم هويته فقط من دون تسليم الجثث أو الإفصاح عن الأسباب الحقيقة للوفاة، حيث يتم غالبا إخبار ذوي المعتقل بأنه توفي لأسباب صحية.
الموت بسبب منع العلاج
وقال معتقل آخر إنه وخلال وجوده في معتقل الفرع 91 بدمشق في يونيو 2013، توفي أكثر من خمسة معتقلين نتيجة انتشار الأمراض مثل السل والإسهال الحاد وأمراض القلب وغيرها، كما سقط آخر تحت التعذيب أيضاً خلال فترة اعتقاله في هذا الفرع.
وبحسب العديد الشهود الذين قابلهم نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن "الأجهزة الأمنية" التابعة للنظام في جميع السجون والأفرع الأمنية لا تفرق بين التهم ولا يوجد هناك معتقلين يتم التعامل معهم بشكل مخفف باعتبار أن تهمهم تعتبر غير كبيرة، بل إن طريقة التعذيب واحدة وفي الغالب يكون التعذيب بشكل جماعي من دون الأخذ بعين الاعتبار التهمة أو السبب أو حالة المعتقل.
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على نظام الأسد نتيجة انتهاك حقوق الإنسان وعمليات التعذيب التي يقوم بها في السجون العسكرية
أما من يسقطون تحت التعذيب فهم بشكل عام مقسمون لثلاثة أصناف، بحسب المرصد، الصنف الأول هم الذين يرفضون الاعتراف بالتهم الموجهة إليهم رغم ما يتعرضون له من تعذيب فيتم تعمد قتلهم، إما تصفية وإعدامات ميدانية، أو تحت التعذيب وهؤلاء يشكلون أكثرية الضحايا تحت التعذيب.
والصنف الثاني هم أشخاص لا يتحملون جسديا التعذيب مثل كبار السن ومن يعانون من الأمراض، أما الصنف الثالث هم من يعترفون بعملهم في المجال المسلح والمشاركة في المعارك وكل ما له علاقة بالتشكيلات المسلحة، أما البقية فبعد تنقلهم بين عدة أفرع وتعرضهم أيضا لأصناف التعذيب فينتهي مصيرهم لمحاكمات ثم قضاء فترة، المحاكمات في سجون مركزية ومدنية.
مقابر جماعية
ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن محام لم يذكر اسمه الكامل، قوله إن هناك عدة طرق تنتهجها الأجهزة الأمنية، ومن أهم هذه الطرق هي أن معظم الأفرع الأمنية والسجون هي أساساً شبه سرية فلا وجود لمحاكمات عادلة وقانونية بداخلها، حتى أنه وأثناء التحقيق يمنع على أي عنصر الدخول باستثناء عناصر وضباط التحقيق، وأثناء محاكمته ميدانياً يمنع حضور محامي معه.
مضيفا، أنه وبحسب المعلومات المتوفرة والتي وصلت طوال فترة السنوات الفائتة فإنه وإلى جانب التعذيب حتى الموت داخل أقبية سجون ومعتقلات النظام، فإن هناك الآلاف قتلوا عبر الإعدامات الميدانية والتصفية، أما طريقة التخلص من الجثة وإخفائها فكانت قبل سنوات تجري عبر دفنها بمقابر جماعية وبطريقة عشوائية.
النظام السوري اعتمد سياسية التعذيب والقتل في مواجهة الثورة التي اشتعلت في البلاد منذ 2011
وقال إنه "خلال الآونة الأخيرة توجهت الأجهزة الأمنية لطريقة الحرق أو الدفن، وذلك بعد موجة التقارير التي كشفتها منظمات حقوقية"، مؤكدا، أن المعلومات تشير لطلب النظام مؤخرا من "إدارة البحوث العلمية" في سوريا بتصنيع محارق ضخمة لاستخدامها في حرق جثث الضحايا الذين يسقطون تحت التعذيب أو نتيجة الإعدامات الميدانية في جميع أفرع وسجون النظام.
وقال إن "طريقة الحرق كانت منذ البدايات تستخدم فقط في سجن صيدنايا، ومع ذلك فأن هناك سياسة فتح مقابر جماعية وإخفاء الجثث فيها نتيجة الأعداد الكبيرة للجثث والتي لا تغطيها المحارق التي تم تصنيعها"، مؤكدا أن "غالبية المقابر تتواجد أو تحفر ضمن مواقع وقطعات عسكرية بهدف منع الدخول إليها".
وبحسب المحامي فإن "كل جهة لديها مقابرها الخاصة فهناك مقابر جماعية خاصة تتبع للميليشيات المساندة لقوات النظام مثل الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني".
وقال المحامي "في بداية الأحداث كانت الأجهزة تتكتم عن أي معلومات حول من يسقطون تحت التعذيب، ثم بدأ النظام بإشغال ذوي المعتقلين بالبحث عن مصير أبنائهم وكان القليل منهم يحصل على هذه المعلومات، ثم توجه النظام خلال السنوات القليلة الماضية لإصدار شهادات وفاة لآلاف المعتقلين وبررها بالوفاة الطبيعية نتيجة ظروف صحية، وبعد أن رأى النظام موجة المنظمات الحقوقية والنشطاء الذين يشككون بوفاة هذه الأعداد الكبيرة بشكل طبيعي حينها توقف النظام عن إصدار هذه الشهادات".
وقال المرصد إنه وثق مقتل نحو 60 مدنيا منذ بداية العام الحالي، من بينهم 38 مدني من أبناء الغوطة الشرقية في ريف دمشق.
ووفقا لإحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تعداد من قتلوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام منذ انطلاق الثورة السورية وصل لنحو 47575 مدني موثقين بالأسماء، وهم 47172 رجلا وشابا و339 طفلا دون سن الثامنة عشر و64 مواطنة منذ انطلاقة الثورة السورية. وذلك من أصل أكثر من 105 آلاف علم المرصد السوري لحقوق الإنسان أنهم فارقوا الحياة واستشهدوا في سجون ومعتقلات النظام.