"هذا اللون فضيحة، عيب تلبسي هذا اللون، سيتحدث الناس عنك بطريقة سيئة، اللون فاقع وملفت للنظر، المرأة الصالحة ترتدي ملابس بألوان باهتة!" هذه الكلمات طالما سمعتها عند اختيار ألوان الملابس التي أرتديها في حياتي اليومية وفي المناسبات العامة.
نحن النساء حياتنا مليئة بلا تفعلي ولا تلبسي ولا تضحكي ولا تبتسمي، ولا تتحدثي في حضور الرجال..الخ، محكومات بالعادات والتقاليد وتنفيذ أوامر الأهل والانصياع لسلطتهم، وفي حال تزوجت إحدانا تنتقل السلطة إلى الزوج، وربما تزيد اللاءات، ولا نغفل دور الوصاية المجتمعية المقيتة.
والمحظوظة، التي يمنحها زوجها بعض الحرية ويلحقها بألف منية ومنية، وقد تسمع المرأة كلمات مليئة بالمنية والفضل لأنها نالت بعض الحرية، مثل" تحمدي الله سمحت لك أن تعملي، ولا يوجد رجل يعامل زوجته مثلما أعاملك"، وكثير من هذه العبارات وكأنه يتفضل عليها بمكرمة لا بحقها.
حقيقة ما دفعني لكتابة هذه المقال هو هدية أرسلتها لي صديقة قديمة، شال ملون بألوان مميزة وفاقعة، وكان اللون "الفوشي" طاغياً فيه، أعادني إلى ذكريات عمرها اثنا عشر عاماً وأكثر.
أحب اللون الفوشي
تعرضت للتوبيخ مراراً بسبب اللون الفوشي، وكلما اخترت أن ألبس قطعة بها هذا اللون تحديدا لا يمر اليوم بسلام، ولكنني في كل مرة أتمرد وأرفض الخضوع، أنا هكذا منذ ولدت متمردة لا أرضخ، شقية مشاكسة مشاغبة، هذه صفات كان أهلي ينعتوني بها، وأنا أعترف أنني كذلك، أضيفوا إليها.. أنني شغوفة بهذه الحياة وأرغب بعيشها كما يحلو لي وفي الطريق الذي أراه مناسباً لي، دون ولاية أو وصاية أحد.
كنت أحب أحذيتي جداً وخاصة ذلك الحذاء الفوشي الرائع، خسرتها "بطرفة عين"، نحن السوريون لنا تجارب كثيرة مع الفقد، فقدنا أرواحاً وبيوتاً وأراض وعملاً ومستقبلاً وشغفاً وسعادة وأشياء كثيرة.
أذكر جيداً، في إحدى المرات في أثناء عودتي من الجامعة لمحت ابن عمي وافقا أمام منزلهم الذي كان بجانب منزلنا، وحينها كنت أرتدي قميصا ورديا يميل للفوشي الفاقع، عندما اقتربت منه أكثر قال بوجه متعجب وغاضب، هذا أنت؟ أجبته نعم، فرد علي ما هذا اللون ألا تعرفين أن هذا اللون للفتيات اللواتي ليس لهم أصل!.
النساء غالباً يحذرن بعضهن من الألوان الزاهية والفاقعة، لأنهن كن يعانين من تنميط وأحكام مسبقة، إذ أن النساء اللواتي يتجرأن على ارتداء مثل هذه الألوان، يطلق عليهن صفات عديدة منها "خفيفة وسهلة ومستهترة بشرفها".
فوزة المحبة للحياة
فوزة، جارتنا في الحارة، تعشق اللون الفوشي، عندما أدخل إلى منزلها تبهرني درجات اللون الزهري الفاقعة، سواء في اللوحات على الحائط أو الورود المنثورة في كامل الغرفة، أو في أوجه المخدات، حتى أن أحمر الشفاه الذي تضعه في المناسبات الخاصة فوشي فاقع.
يسخرن منها نساء الحارة مراراً، يتهامسن عليها ويغتبنها كلما مرت أمامهن، ويصفنها بالمرأة الجريئة والقوية تارة وبالوقحة والقادرة تارة أخرى فقط لارتدائها هذا اللون، لأن ثقافة المجتمع تقول أن النساء الصالحات والمحافظات يرتدين الألوان القاتمة و يبتعدن عن الألوان الفاقعة اللافتة للنظر.
ولدى اختيار ألوان الألبسة، يحاولن النسوة أن يبحثن عن الألوان التي يرضى بها المجتمع، لأن المجتمعات الذكورية الأبوية تتحكم بكل تفاصيل حياتهن، وتكدر عيشهن وترسم مسار حياتهن من الولادة حتى الممات.
مفهوم العيب!
المرأة في مجتمعاتنا يُنظر لها على أنها مرآة الرجل، تعكس اسمه وصورته وسمعته، والرجل الذي يسمح لنسائه بارتداء هذه الألوان، ناقص الرجولة بنظر المجتمع!.
فكثيرا ما تغير النساء نمط لبسهن وألوانها حسب مراحل حياتهن، إذ أن ثقافة المجتمع حددت ألوانا للمراهقات وللفتيات والمتزوجات والأرامل والمطلقات وهكذا، وتبقى الألوان القاتمة هي لون الاستقامة والعفة والشخصيات المتوازنة وكل هذا يندرج تحت مفهوم "العيب".
ولأن الألوان القاتمة سائدة بكثرة بين النساء في المجتمع، تعتبر الألوان الأخرى ثورة وتمرد وجرأة غير محمودة.
ولكن أود أن أسأل إلى متى سنبقى مجتمع إطلاق الأحكام والوصاية الأبوية؟