السيمفونية العاشرة لبيتهوفن عمل لم يكتمل، ولطالما تمنى عشاق الموسيقى اكتماله. والآن تمكن فريق من العلماء بمساعدة برامج كمبيوتر من استكمال السمفونية، التي ستعزف لأول مرة ضمن مهرجان بيتهوفن العالمي. فكيف أنجزوا هذا العمل؟
تسيطر الخوارزميات على حياتنا اليومية في مختلف المجالات، سواء عند قيادة السيارة أو في العمل أو عند ممارسة الأنشطة المختلفة. لا شيء يعمل بدون الذكاء الاصطناعي. وقد كان الإبداع يبدو لوقت طويل ميزة كبيرة للعقل البشري، ولكن هناك علامات متزايدة على أن هذا يتراجع أيضا، أو أنه قد انخفض بالفعل.
وبعد أن أكملت أجهزة الكمبيوتر بالفعل المؤلفات غير المكتملة للموسيقيين غوستاف مالر وفرانز شوبرت، جاء الدور على عمل لودفيغ فان بيتهوفن "غير المكتمل". فعندما توفي الموسيقي الشهير عام 1827، ترك سيمفونيته العاشرة الأخيرة غير مكتملة. عدد قليل من الرسومات المكتوبة بخط اليد لهذا العمل نجت من التلف.
وبمناسبة عيد ميلاده الـ250، عرض السبت العمل -الذي تم تأجيله بسبب جائحة كورونا- بمساعدة الذكاء الاصطناعي، كجزء من مهرجان بيتهوفن. ولهذا الغرض شكلت شركة الاتصالات الألمانية "دويتشه تيليكوم"، ومقرها مدينة بون مكان مسقط رأس بيتهوفن، فريقا من الخبراء، ضم مجموعة من علماء الموسيقى والملحنين وعلماء الكمبيوتر حاولوا تحليل وتعلم أسلوب بيتهوفن، بطريقة تمكنهم من إكمال عمله "غير المكتمل".
أسلوب بيتهوفن الموسيقي
تمت تغذية برنامج الذكاء الاصطناعي برسومات ومسودات بيتهوفن، بالإضافة إلى القطع الموسيقية التي ألفها معاصروه. يقول ماتياس رودر، مدير معهد كاراغان في سالزبورغ: "علينا أن نتخيل أن بيتهوفن كان عندما تأتيه أفكار جديدة يدونها في نفس اللحظة. أحيانا على شكل كلمات مكتوبة، وأحيانا كعلامات موسيقية". وبناء على هذه المواد المتوفرة، وضع مدير المشروع وفريقه افتراضات: "كيف كان بيتهوفن سيكمل أشياء معينة؟"، حسبما أوضح رودر أكثر عن عمل فريقه في بيان صحفي.
ترتكز الموسيقى، كما اللغة، على وحدات، كما يعتقد العلماء. لذا فالأمر يعتمد على التعلم. وهكذا تم تزويد البرنامج بسمفونيات بيتهوفن وسوناتات البيانو (sonnets) والرباعيات الوترية التي ألفها. أي أنه تتم تغذية الذكاء الاصطناعي وتدريبه وتكرار ذلك. وكحال الشبكة العصبية في الدماغ، فإن الكمبيوتر قادر على إنشاء اتصالات جديدة بشكل مستقل. النتائج الأنسب يتم إرجاعها إلى النظام لتضاف إلى المواد الأصلية التي زود بها.
الإنسان والآلة يكملان بعضهما بشكل مثالي
وهكذا نمت باضطراد القدرة على التأليف. ويقول البروفيسور روبرت ليفين، عالم الموسيقى في جامعة هارفارد: "ما يتيحه لنا الذكاء الاصطناعي هو إمكانية تقديم مسار إضافي لجملة موسيقية بعشرين أو حتى مئة نسخة مختلفة. وهذا أمر رائع جدا، لأنه إذا تم إجراؤه بشكل جيد من خلال الخوارزميات، فإن كل محاولة تكون معقولة".
يعتبر هذا التعاون مثيرا للغاية بالنسبة للبحث العلمي، لأنه يوضح أكثر كيف تدعم الآلات الإنسان، أو حتى تساعد على تقليد الإنجازات الإبداعية. "أردنا أن نفهم بشكل أفضل ما مدى قدرة التقنية على توليد الموسيقى. وحاولنا اختبار أبعد حد يمكن الوصول إليه. عموما، استخدمنا بعض الوحدات النمطية لما يسمى معالجة اللغة الطبيعية، المستوحاة من معالجة اللغة البشرية الطبيعية"، كما يوضح أحمد الجمال، مدير معمل الفنون والذكاء الاصطناعي في جامعة روتجرز في نيويورك، ومطور برنامج "بيتهوفن للذكاء الاصطناعي". ولكن ما فوائد مثل هذه المشاريع البحثية للموسيقيين؟
يقول ليفين، البروفيسور في علم الموسيقى: "يمكن القول إن الكمبيوتر يفعل ذلك وفقا للخوارزميات. ولكن البشر يفعلون ذلك أيضا بالاعتماد على الخبرة أو التدريب. أمران ليسا بالضرورة متباعدين إلى هذا الحد".
يمكن للمستمعين الآن أن يختبروا بأنفسهم إلى أي مدى يمكن ملاحظة الاختلاف بين العمل الأصلي وما أنجزه الذكاء الاصطناعي، وذلك في العرض العالمي الأول للسمفونية العاشرة لأوركسترا بيتهوفن في مدينة بون تحت إشراف قائدها ديرك كافتان.