فيلم «آنيت» للمخرج الفرنسي ليوس كاراكاس يفتتح مهرجان كان بعد عام من الاحتجاب بسبب جائحة فيروس كورونا. وفي فيلمه الأحدث أنجز كاراكس فيلما موسيقيا غنائيا، ألف موسيقاه وكلماته الفريق الأمريكي الموسيقي «سباركس». وبينما كنا نأمل أن تحلق بنا دراما كاراكس الموسيقية، وأن تأخذنا إلى الذرى، جاء الفيلم مخيبا للآمال، رغم موسيقاه وأغنيته الرئيسية التي خفقت لها القلوب.
قصة حب
في «آنيت» يأتينا كاراكس بقصة حب فيها من الألم والإيذاء النفسي الكثير، واستكناه هذا الجانب المظلم للحب ليس بالأمر الجديد على كاراكس، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الغناء والموسيقى ليكونا جزءا رئيسيا من فيلمه. لكن الموسيقى، على براعتها كعنصر منفرد، لم تأت لتخدم العمل ككل، ولم تأت لتنسجم مع باقي عناصره، بل كانت العنصر الوحيد المتماسك، وسط حبكة تشهد الكثير من الخلل والعوار. ربما أفضل ما في الفيلم على الإطلاق هو الأداء الملهم لآدم درايفر، الذي يمتلك الشاشة امتلاكا وينفذ إلى أعماق الشخصية الرئيسية، بل يتلبسها كلية، بأداء تختلج له قسمات الوجه وعضلات الجسد. يلعب درايفر دور هنري ماكهنري، الممثل، والمؤدي الكوميدي الشهير، الذي لا يأبه بالأعراف في عروضه ويسخر من ذاته ومن جمهوره في آن. ولكن هنري يعشق «آن» ماريون كوتيار السوبرانو الشهيرة، التي تشدو في الأوبرا بصوتها الملائكي وأدوارها الحزينة. ورغم الحب بين الاثنين، نشعر نوعا من الغيرة من قبل هنري، غيرة من نجاح آن وشهرتها، التي ربما تفوق شهرته.
الطفلة والدمية
ربما اختار كاراكس للطفلة آنيت أن تكون دمية وليس طفلة حقيقية للتعبير عن أنها ليست بنتاج سوي لزوجين سويين. هي نتاج الكثير من الغيرة من النجاح، والخوف من الفشل، هي نتاج التنافس الفني الذي سمم علاقة الحب. هي رمز لما يجمع اثنين يظهران الحب، ولكن يعتمل في صدريهما الغيرة والخوف والتنافس. في أحد عروضه على المسرح يزعم هنري أنه قتل زوجته آن. يقول إنه سئم وجهها الخجل الذي كان يفتنه سابقا، وسئم صوتها وموتها على المسرح كل يوم فقرر قتلها لتموت حقا، بدلا من الموت الأوبرالي. يصاب الجمهور بالصدمة، كما نصاب نحن، نرى في أثناء الفيلم البرامج تتحدث عن حب النجمين الشهيرين، وزواجهما، وعن حمل آن وإنجابهما طفلة صغيرة. هما زوجان في محط الأضواء، يشهد زواجهما صدوعا كبيرة، يزيد منها هذا الاهتمام الإعلامي. ثم يحدث ما كان يعتمل منذ بدايات العلاقة، ففي ليلة عاصفة على متن يخت يبحر وسط أمواج عاتية تموت آن غرقا، ولا نعرف ما إذا كان هنري قتلها؟ أم إذا كانت قد سقطت في البحر.
ومنذ مقتل آن تبدأ آنيت الصغيرة في لعب دور أبرز ونفهم لم سُميّ الفيلم باسمها. ربما يفتقر الفيلم إلى عنصر مهم من عناصر الأفلام الموسيقية، ألا وهو الإمتاع. فنحن حين نشاهد فيلما موسيقيا نتوقع منه أن يمتعنا، وأن يدخلنا في عالم سحري حتى إن كان داكنا، وفيه من المأساة الكثير. لكن «أنيت» يفتقر إلى هذا السحر المصاحب للأفلام الموسيقية. إنه فيلم فيه من الإطالة والتطويل الكثير، فيلم فقد فيه كاراكس قدرته السحرية على إبقائنا طوع بنانه طوال الفيلم. حتى قدرات آنيت السحرية على الغناء، والتي نترككم لاكتشاف سببها عند مشاهدة الفيلم، لا تثير لدينا الرغبة في سماع صوتها.
ينتهى الفيلم فنتنفس الصعداء لانتهائه، لا تبقى منه في أنفسنا متعة ولا دهشة، ولكن ما يبقى في أذننا هو أغنيته الرئيسية وأداء درايفر، وهما في اعتقادنا أفضل عناصر الفيلم.