في إصدار جديد عن دار الريس، يقدّم الكاتب والشاعر السوري/السويدي خلف علي الخلف روايته الأولى «الحرّاني»، في عمل سردي يجمع بين البحث التاريخي الدقيق والسرد الأدبي المتقن، مستندًا إلى أكثر من ثلاثمئة مرجع بعدة لغات بينها العربية واليونانية والسريانية والعبرية.
تتناول الرواية مدينة حران في القرن التاسع الميلادي، بوصفها مركزًا للعلوم والفلسفة والأديان، وتبدأ بزيارة الخليفة المأمون للمدينة ولقائه بأعيانها، في لحظة حاسمة من تاريخ الجماعة الحرّانية التي سعت لإثبات انتمائها إلى "ملّة إبراهيم". ومن خلال هذا الحدث، تنفتح الرواية على جدل فكري وديني يعكس تنوع الفكر في قلب الخلافة العباسية.
وتتجلى في السرد شخصية ثابت بن قُرّة الحرّاني، الفيلسوف والطبيب والفلكي والموسيقي، رمزًا لجهود المدينة في التوفيق بين العلم والعقيدة، إلى جانب عائلات حرّانية أخرى مثل آل قُرّة وآل هلال وآل حيّان الذين أنجبوا علماء بارزين كجابر بن حيّان ومحمد بن سنان البتّاني.
كما يرسم المؤلف بانوراما واسعة لعالم القرن التاسع، متنقلًا بين حرّان، الرقة، الأندلس، الإسكندرية، أثينا، القسطنطينية، وكريت، موثقًا تفاصيل الحياة اليومية من عمارة وأزياء وموسيقى وطقوس دينية، لتغدو الرواية لوحة توثيقية حية للعصر العباسي.
وتقدّم الرواية تعريفًا معمقًا بـ العقيدة الحرّانية، موضحةً علاقتها بالحنيفية، ومستعرضةً روح التسامح الديني التي سادت في تلك الحقبة، حيث تعايش المسلمون والمسيحيون واليهود والحرّانيون في إطار دار الحكمة، مركز العلم والمعرفة في بغداد.
وقد لاقت الرواية منذ قراءاتها الأولى إشادة نقدية واسعة. فوصفها الشاعر العراقي سعد الياسري بأنها "سِفر في التراث والتاريخ والعقائد"، فيما رأى المخرج السوري غطفان غنوم أنها "عمل بديع يعيد الثقة بالأدب". أما الناقد السعودي حامد بن عقل فاعتبرها "رواية بحثية تسد فراغًا في المكتبة العربية"، ووصفها الشاعر عيسى الشيخ حسن بأنها "عمل توثيقي يعيد قراءة تاريخ شعب محب للعلوم والفنون". كما أشاد المترجم المصري خالد رؤوف بجرأة الكاتب وعمق طرحه، معتبرًا الرواية "فارقة في الأدب العربي الحديث".
بهذه الرواية، يفتتح خلف علي الخلف مشروعه الروائي التاريخي، مؤكّدًا أن السرد قادر على إحياء المدن والأفكار التي غيّبتها السرديات السائدة، وأن العودة إلى الماضي تفتح أفقًا لفهم الحاضر وصراعاته.
يُذكر أن خلف علي الخلف من مواليد الرقة وينحدر من أصول حرّانية، يقيم حاليًا في مسقط ويحمل الجنسية السويدية. صدر له تسعة دواوين شعرية وثلاث مسرحيات مونودرامية، أبرزها «گلگامش بحذاء رياضي» الفائزة بجائزة الفجيرة الدولية للمونودراما، إضافة إلى دراسات وبحوث، منها كتابه المشترك مع قصي مسلط الهويدي «الحرّانيون السومريون: في أصول ومعتقدات العشائر الزراعية في الجزيرة والفرات».