حقوق المواطنين القضائية تضيع بين الترميم والإهمال

جيهان
الجمعة, 24 أكتوبر - 2025

يشكّل "الحق في التقاضي" إحدى الركائز الجوهرية في أي دولة تُؤمن بسيادة القانون، إذ تضمن التشريعات السورية، نظريًا، منظومة متكاملة من الحقوق والإجراءات التي تبدأ بحياد القاضي وتنتهي بصون حق الدفاع والطعن. غير أن هذه المنظومة تفقد معناها حين تتحول "أضابير القضايا"وهي الحافظة الرسمية للحقائق والأدلة إلى أوراق تائهة بين ركام القصور العدلية ومكاتب مهملة بحجة الترميم أو التلف

تشمل الحقوق القضائية في القانون السوري "الحق في التقاضي" المكفول قانونًا، و"حقوق محاكم الموضوع" التي تختص بالنظر في الدعاوى، بالإضافة إلى "حقوق الإجراءات القضائية" 

مثل حق الطعن في الأحكام، و"حقوق الخصوم" كالحق في المساعدة القضائية لمن لا يملكون الموارد المالية. "أضابير القضاء والمحاكمات" هي مجموعة من الملفات والسجلات الرسمية التي تتضمن كافة الأوراق والمعلومات المتعلقة بالقضايا المرفوعة أمام المحاكم. تشمل هذه الأضابير المستندات مثل صحائف الدعوى، الأدلة، المذكرات القانونية، ونسخ من الأحكام القضائية، وتقوم كتابات المحاكم بترتيبها وتنظيمها حسب تسلسل تواريخ تقديمها. دورها الأساسي هو حفظ سجل دقيق ومُنظم لكل قضية لتسهيل تتبع مسارها وضمان سير العدالة. تكمن أهمية الحفاظ على الاضابير والوثائق القضائية في كونها أدوات أساسية لضمان العدالة، حيث توفر الأدلة، وتوثق الحقائق، وتحفظ السجلات التاريخية والقانونية، كما تعزز الشفافية، وتساعد في اتخاذ القرارات السليمة، وتضمن استمرارية سير العمل القضائي. أهمية الحفاظ على الاضابير والوثائق القضائية: توجد قوانين سورية تنظم حفظ الوثائق والأضابير القضائية، وأبرزها مرسوم رقم 99 لعام 2016 الذي ينص على إنشاء مستودع مركزي في كل محافظة لحفظ الأمانات والمواد الجرمية وأضابير الدعاوى والسجلات. يحدد المرسوم آلية حفظ وتسليم الأضابير، وينص على حفظ الموافقات الخطية اللازمة للحصول على البيانات، ويُلزم أمين المستودع بإمساك سجلات ورقية وإلكترونية مختلفة لتوثيق كافة العمليات. 

 نص المرسوم رقم 99 لعام 2016: ينظم إنشاء مستودعات لحفظ الأمانات والمواد الجرمية وأضابير الدعاوى والسجلات في كل محافظة. ومرسوم من وزير العدل مظهر الويس يصدر القرار رقم /15/ المتضمن ترتيب الآثار القانونية للأحكام والقرارات والأسناد التي أصدرتها وستصدرها المحاكم في الشمال السوري. بين الركام وضياع السجلات… حقوق السوريين معلّقة على "إضبارة" مفقودة . زرنا القصر العدلي بدمشق وصدمنا بوجود الاضابير القضائية والوثائق بين الانقاض والردم الناتجة عن عمليات الترميم التي تقوم بها الجهات المختصة . تقول المحامية :ع . أ إن الدعاوى العقارية كلها ترفع بموجب وضع اشارة وقبل أن تسمع الدعوة توضع اشارة وهناك عقارات كثيرة عليها اشارات من سنة الثمانينات وما قبل وهذه الاشارات لا يمكن أن ترتفع بدون وجود الملف الذي تم بموجبه وضع الملف وبالتالي هذه الاضابير المهملة والملقاة بين الانقاض وقالوا انها للإتلاف تحوي حقوق أشخاص لا يمكن أن تعود الى أصحابها إلا في حال لجأ الى طرق أخرى قد تكون غير شرعية وتضيف المحامية لدي عقارات في الزبداني لأحد موكلينا ويمكنني تزويدكم برقم العقار حتى اليوم ابحث عن أوراق الدعوة التي تخصها بحجة تم اتلافها أو اختفت نتيجة التفجير الذي طال القصر العدلي في 15 آذار 2017 تعتقد المحامية أن الاهمال الذي طال الوثائق في القصر العدلي وانتشارها بين الردم نتيجة عمليات الترميم وإهمال الجهة المنفذة لأعمال الترميم والجهة المسؤولة عن حفظ الاضابير القضائية في المحكمة هو السبب الرئيسي لفقدان وضياع الوثائق المطلوبة بالمقابل فإن عمليا الاتلاف يجب أن تكون بشكل قانوني وذلك بإحضار الاضبارة ويسجل ويحفظ ما فيها ويأخذون صورة عن القرار ويخبرون بإتلافها قانونيا وتسجل بجداول خاصة بالإتلاف . قال ح .م : لدي اضبارة دعوى احترقت بسبب الانفجار الذي حصل في القصر العدلي ، ومن طبيعتي الاحتفاظ بنسخ ضوئية و ورقية عن كل مستند اداري أو قضائي أو ضبط.

سألت رئيس ديوان المحكمة فقال: لم تردهم تعليمات بالترميم للدعاوى المحترقة من الوزارة . أهمية الحفاظ على الاضابير والوثائق القضائية

توثيق الحقائق والأدلة: تعتبر الوثائق القضائية دليلاً أساسياً في نظر القضايا، حيث توثق الحقائق وتقدم الأدلة التي تساعد في اتخاذ قرارات عادلة ومستنيرة. 

يضمن الحفاظ على الوثائق بشكل منظم تعزيز الشفافية في النظام القضائي ويقلل من احتمالية حدوث أخطاء أو تلاعب. 

كما تتيح عملية الحفظ السليم للوثائق الحفاظ على السجلات وإنشاء سجل قضائي شامل يمكن الرجوع إليه في المستقبل، سواء لأغراض المراجعة أو لدراسات تاريخية وقانونية لاحقة. 

التوثيق القانوني                                                           

وتساعد الوثائق القضاة في الوصول إلى المعلومات الضرورية وتوجيههم في أحكامهم، مما يساهم في تسريع البت في القضايا وتوحيد الإجراءات. 

تحتوي الوثائق القضائية على إثباتات لحقوق وواجبات الأفراد والمؤسسات، مثل عقود البيع والشراء والقرارات التشريعية، وبالتالي تضمن الحفاظ عليها حماية هذه الحقوق. 

عندما يتم توثيق العقود والوكالات بشكل سليم، فإن ذلك يعزز الثقة بين الأطراف ويؤكد جدية الالتزام بتحقيق العدالة وتسليم الحقوق و تساهم السجلات القضائية في تسهيل وتسريع عملية تنفيذ الأحكام القضائية المختلفة، مثل أحكام إخلاء العقارات .

تساعد الوثائق في دعم الأعمال الإدارية الجارية للمؤسسات القضائية وتوفير المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات الإدارية.  

في خطوة جديدة مهمة وضرورية في مسار العدالة أهمية التوثيق القانوني

يضمن التوثيق القانوني حماية الحقوق القانونية و أن جميع الأطراف المتعاقدة تتمتع بحماية حقوقها، مما يقلل من احتمالات النزاعات القانونية مستقبلاً. فوجود عقد موثق يمكن استخدامه كدليل قانوني في حال نشوء خلاف بين الأطراف.

عند توثيق العقود أو الوكالات، يتم تعزيز المصداقية والثقة بين الأطراف المتعاملة، سواء كانوا أفرادًا أو شركات. فالتوثيق يعكس جدية الأطراف في الالتزام بشروط العقد.

التوثيق القانوني يمنع التلاعب أو التزوير في المستندات، حيث يتم تسجيل المعاملات بشكل رسمي في الجهات المختصة، مما يصعب على أي طرف تعديل المستندات بعد توقيعها.

ويساعد التوثيق القانوني على تسهيل تنفيذ الالتزامات في حال عدم التزام أحد الأطراف بشروط العقد، يمكن استخدام المستند الموثق كدليل رسمي لتنفيذ الالتزامات من خلال الجهات القانونية المختصة. توثيق العقود إلكترونياً يجب على الجهات المسؤولة ومنها وزارة العدل البدء بالعمل على برنامج توثيق العقود إلكترونيا بحيث يسمح للمستخدمين من محاميين ومحاكم الى إنشاء، توثيق، وإدارة العقود القانونية بشكل رقمي. يساعد هذا البرنامج في تقليل الوقت والتكلفة المرتبطة بتوثيق العقود التقليدي.

برامج التوثيق الالكتروني 

تتمتع برامج التوثيق الالكتروني بسهولة الاستخدام وسرعة الإجراءات وإمكانية الوصول إلى العقود في أي وقت ومن أي مكان.

تقليل المخاطر القانونية بفضل وجود مستندات رسمية معتمدة وحفظ العقود بطريقة آمنة تمنع ضياعها أو تعديلها بدون إذن. بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024 زادت التعاملات القانونية والقضائية ، وأصبح التوثيق القانوني ضرورة أساسية لحماية الحقوق وضمان تنفيذ الالتزامات. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أهمية التوثيق القانوني في حماية حقوق المواطنين السوريين ممن سلبهم النظام السابق حوقهم وحرياتهم سواء الشخصية أو العقارية وغيرها من الحقوق ، وما تبعها من اعتداءات على الملكيات لمواطنين معارضين أو ممن شاركوا في الثورة ضد النظام السابق من خلال وكالات مزورة وعقود بيع غير قانونية من خلال استخراج شهادات وفاة غير قانونية وغيرها من القضايا التي ظهرت في السنوات الأخيرة ، بالإضافة إلى استعراض طرق التوثيق الإلكتروني والبرامج المتاحة لتوثيق الأوراق القانونية والقضائية .

 يؤكدالمحامي علي الزير أن الجهاز القضائي يجب أن يتمتع باستقلالية تامة تضمنها الحكومة السورية من خلال من خلال المتابعة المستمرة 

ويضيف المحامي بضرورة مراجعة القوانين بما ينسجم مع الاعلان الدستوري الحالي الذي ينص في بدايته ان الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سوريا في جزء من القانون السوري الذي يجب اصلاحه وفق القوانين الوضعية التي تتعارض مع الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها سوريا وهيك بدك نحنا نراجع كل التشريعات القوانين اللي كانت موجودة و أضف إلى ذلك القوانين السورية وتحديدا القوانين القديمة 49 و الخمسينيات أغلبية القوانين السورية تعتمد عليها وبالتالي تحتاج اعادة انتاج مجموعة قوانين جديدة ليصبح لدينا إجراءات قانونية على مستوى عالي و لا سيما قوانين أصول محاكمات المدني والجزائي 

وتبدأ الوزارة باعتماد الطرق الالكترونية الحديثة على سبيل المثال التبليغ كان على لوحة اعلانات المحكمة كتبليغ مواطن عن طريق الايميل أو عن طريق الفيس بوك أو عن حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى .

وأكد المحامي مرة أخرى على أهمية وضرورة استقلالية السلطة القضائية 

و اصلاح القوانين على الرغم من حاجتنا الى وقت طويل إضافة لتفعيل وبدء عمل المجلس التشريعي

ويضيف المحامي بضرورة اطلاع الرأي العام على الانجازات التي تحققت من خلال الموقع الرسمي ونشره في الصحف الرسمية ليكون بمتناول الجميع .

وضع القوانين والمحاكم السورية 

لدى سؤال القاضي المنشق والمعاد الى منصبه أنور مجنى عن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية وتحديدا وزارة العدل للحفاظ على الوثائق القانونية الموجودة في المحاكم من فترة النظام السابق أجاب بانه لم يتخذ حتى اللحظة أي اجراء قانوني محدد وخاص ولكن يتم العمل بالاجراءات التقليدية 

واضاف أن كثير من المحاكم توقفت عن العمل أو انخفضت فعاليتها نتيجة الاستهداف المباشر والحرق، وأننا لم نفقد إلا الوثائق الموجودة في القصر العدلي باللاذقية نتيجة احتراق المحكمة 

الإصلاح القضائي والعدالة الانتقالة 

التغير الذي قامت به الحكومة السورية ، جاء إنصافًا للقضاة الذين تعرضوا للإقصاء بسبب مواقفهم المناصرة لقضايا الشعب، فقد صدر المرسوم الرئاسي بإعادة القضاة المنشقين عن النظام البائد. تعكس هذه الخطوة حرص الدولة ووزارة العدل على إعادة الثقة بالمؤسسة القضائية وتعزيز العدالة.

وتأتي هذه المبادرة بعد أن استكملت وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى الإجراءات اللازمة، ورفعت مقترحها للسيد الرئيس الذي أصدر المرسوم رقم 70. 

إذ تسهم هذه الخطوة في ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة وتعزيز استقلالية القضاء كركيزة أساسية للدولة.

سوف تتابع وزارة العدل خطوات النهوض بمرفق القضاء بما يلبي طموحات شعبنا ويحقق مصالحه، مع التركيز على تطوير آليات العمل القضائي وتوفير بيئة قانونية عادلة تضمن حقوق الجميع

ففي الوقت الذي تتزايد فيه مطالب السوريين باستعادة حقوقهم المصادرة، ولا سيما العقارية منها، ومع الحديث عن إعادة القضاة المنشقين كخطوة لازمة في مسار العدالة الانتقالية، يبرز سؤال أكثر إلحاحًا: كيف يمكن تحقيق العدالة بينما وثائقها القانونية نفسها مهددة بالضياع أو الإتلاف؟