في مشهد يلخّص معنى الإرادة والتفوق، تلمع فاطمة محمد صالح، ابنة مدينة تدمر السورية، على منصّة الشرف في ألمانيا، بعد حصولها على أعلى علامة في امتحانات البكالوريا الألمانية، متجاوزة نظامًا تعليميًا يعدّ من بين الأكثر صرامة وتنظيماً في العالم.
لكن ما حققته فاطمة لم يكن مجرّد تفوق رقمي، بل إنساني وثقافي وروحي، تختزله قصة فتاة رفضت أن تجعل من الغربة حاجزًا، واختارت أن تحوّل التحديات إلى درجات تصعد بها نحو المجد.
تقول فاطمة:
> "كنت أراجع دروسي بهدوء وتركيز، وعندما صدرت النتيجة، لم أصرخ… فقط بكيت. شعرت أن كل لحظة تعب، وكل دمعة سهرت بها، قد وجدت طريقها نحو المجد. كان شعورًا لا يُوصف… امتنانًا لله وفخرًا ناعمًا في القلب."
رحلة فاطمة لم تكن سهلة، فقد واجهت تحديات اللغة والثقافة والاندماج، لكنها، بدعم أسرتها وإيمانها العميق، حولت تلك الصعوبات إلى دوافع للإنجاز. تقول:
> "لم أكن أبحث فقط عن علامة، بل عن إثبات لنفسي أنني أستطيع. دعم والديّ، إخوتي، ومعلميّ جعلني أؤمن من جديد بقدرتي على النجاح."
نهجها في الدراسة اعتمد على الفهم لا الحفظ، والمثابرة المنتظمة مع أوقات للراحة. لم تُفضّل مادة على أخرى، بل منحتها جميعًا نفس العناية والاهتمام. وكانت والدتها شريكة في السهر، ووالدها قدوة في الثبات وحبّ العلم.
فاطمة، التي تُوّجت بهذا الإنجاز الكبير، تقول إنها اليوم أمام خيارات مفتوحة للدراسة في أي جامعة ألمانية، وتتأرجح بين الطب البشري وهندسة الطب الحيوي، لكنها تؤكد:
"أريد أن أختار مجالًا أكون فيه ذات أثر، أن أخدم الإنسان، وأمثّل بلدي وأهلي بصورة مشرّفة."
وتُضيف:
"النظام التعليمي الألماني علّمني كيف أفكّر، كيف أبحث، وكيف أكون مسؤولة عن تعلّمي. لقد غيّر طريقة تفكيري ومنحني النضج والثقة."
أما والدها، الدكتور محمد صالح، فكان التأثر واضحًا في كلماته:
"حين سمعت بالنتيجة، عجزت عن الكلام… دموعي سبقتني. كنت أعلم أنها ستصل، لأنها مجتهدة بطبيعتها، ونحن لم نضغط عليها أبدًا، بل وفرنا لها بيئة محبة وآمنة، فيها ثقة لا شروط فيها."
ويتابع:
"كنا نسألها دائمًا: كيف تشعرين؟ وليس ماذا أنجزتِ؟ النجاح الحقيقي لا يولد من القلق بل من الطمأنينة."
ويرى أن هذا النجاح لم يكن فرديًا، بل لحظة جامعة للأسرة كلها، تعيد التأكيد أن الأبناء هم رأس المال الحقيقي، وأن الغربة رغم صعوبتها قد تكون أرضًا خصبة للإنجاز حين تتوافر المحبة والدعم.
فاطمة صالح ليست مجرد طالبة متفوقة، بل نموذج يُحتذى به للجيل السوري الشاب، في الداخل والمهجر، ورسالة حيّة بأن النجاح لا يعرف الحدود، وأن الأمل قد يولد من قلب التحدي.
تختم فاطمة رسالتها بكلمات ملهمة:
> "ثقوا بالله أولًا، ثم بأنفسكم. لا تنتظروا الظروف المثالية، بل اصنعوا طريقًا من الواقع، ولا تقارنوا أنفسكم بأحد… فأنتم مميزون كما أنتم."
من تدمر إلى برلين، من دفتر صغير إلى منصة تكريم، تحمل فاطمة حلمها وتُضيء به دربًا، لا لنفسها فقط، بل لوطن كامل يؤمن بشبابه رغم كل الظروف.