في تصريحات أثارت الكثير من التساؤلات، قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم الجمعة إنه يرى إمكانية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة خلال أسبوع، مشيراً إلى اتصالات يجريها مع "بعض الأشخاص المعنيين"، دون أن يحدد أسماءهم، في مشهد يعكس غموضاً مقصوداً وتوظيفاً سياسياً للمعاناة الإنسانية في القطاع.
تصريحات ترامب جاءت خلال مناسبة لا علاقة لها بالوضع في الشرق الأوسط، حيث كان يوقّع اتفاقاً بين الكونغو ورواندا في المكتب البيضاوي، ما يُظهر مدى الاستسهال في مقاربة ملف بالغ التعقيد مثل العدوان على غزة، وكأن القضية مجرد ورقة مساومة في أجندة علاقات عامة أو حملة انتخابية مبكرة.
الرئيس الأمريكي السابق، الذي تحدث في وقت سابق عن أن مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف أبلغه بأن "وقف إطلاق النار بات وشيكاً جداً"، لم يقدم أي تفاصيل ملموسة، مكتفياً بتصريحات فضفاضة عن "تقدّم كبير" و"أخبار سارة"، وهي عبارات تتكرر منذ شهور دون أثر فعلي على الأرض، حيث يتواصل العدوان الإسرائيلي، ويشتد الحصار، وتتعمق الكارثة الإنسانية.
من جهته، نفى باسم نعيم، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة حماس، وجود أي مفاوضات حالياً بشأن وقف إطلاق النار، بينما أكدت مصادر أخرى أن المفاوضات لا تزال متعثرة، ما يُبرز التناقض الصارخ بين الرواية الأمريكية – الإسرائيلية، والواقع الميداني والسياسي في غزة.
الحكومة الإسرائيلية التزمت الصمت حيال تصريحات ترامب، واكتفت بالقول إن الجهود لاستعادة الرهائن مستمرة، وهي عبارة تُستخدم مراراً كغطاء لمواصلة العمليات العسكرية، دون اكتراث حقيقي بالمسار السياسي أو الإنساني.
في سياق موازٍ، نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة أن السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر سيبدأ محادثات مع مسؤولي إدارة ترامب بشأن غزة وإيران، في تحرك يُظهر أن إدارة الملف لا تزال تُدار من واشنطن وتل أبيب بعيداً عن معاناة السكان في القطاع، وكأنهم غائبون عن معادلة القرار.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نقلت عن مصادرها أن اتفاقاً جديداً يُجهَّز عبر القاهرة، وسط أجواء تصفها بـ"المرنة"، وتُشير إلى استعداد حماس لتقديم تنازلات، في خطاب إعلامي يهدف لإظهار الحركة وكأنها في موقع الضعف، بينما يتم تجاهل حقيقة أن المأساة الإنسانية في غزة بلغت مستويات كارثية بسبب العدوان والحصار المستمرين.
اللافت في التسريبات الإسرائيلية، أن نتنياهو يرفض إرسال وفد تفاوضي إلى القاهرة أو الدوحة، ويصرّ على أن يكون "الاتفاق على أعلى المستويات" بينه وبين ترامب ومستشاريهما، وكأن القضية تتعلق بمصالح شخصية أو اعتبارات انتخابية، لا بدماء عشرات الآلاف من الشهداء ومعاناة ملايين المحاصرين.
وبحسب التسريبات، فإن الاتفاق المرتقب سيشمل إعادة 50 رهينة، وإنهاء الحرب، وتوسيع "اتفاقيات أبراهام"، في مقاربة تُظهر كيف يتم توظيف الكارثة الإنسانية في غزة كوسيلة لتمرير مشاريع تطبيع على حساب الحقوق الفلسطينية.
وتعود جذور العدوان إلى أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين بدأت إسرائيل حربها الواسعة على قطاع غزة، والتي أسفرت حتى الآن، وفق وزارة الصحة في غزة، عن مقتل أكثر من 56 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، بينما لا تزال إسرائيل تواصل عملياتها وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتفرض حصاراً خانقاً فاقم الكارثة الإنسانية إلى حدّ المجاعة، رغم السماح الرمزي بدخول بعض المساعدات عبر "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة أمريكياً، والتي واجهت انتقادات واسعة من الأمم المتحدة ومؤسسات الإغاثة.
هذه التصريحات والتسريبات، تعكس بوضوح أن الحديث عن "وقف إطلاق النار" ما هو إلا تكتيك لفظي يُستخدم لامتصاص الضغط الدولي والإعلامي، بينما تستمر الحقائق الصادمة على الأرض. فلا جديد سوى استثمار معاناة الفلسطينيين في بازار السياسة الدولية، وسط تواطؤ أمريكي وصمت دولي، وتلاعب واضح بالمصطلحات بين "هدنة" و"تقدم" و"مرونة"، في حين يبقى الواقع في غزة دامياً، وجدران البيوت مهدّمة، والجثث تحت الركام.