قبل أيام اجتمعت الدول الكبرى، ومنظمات أممية وإقليمية عديدة في مؤتمر بروكسل الخامس لمساعدة سوريا والدول المجاورة التي تحملت أعباء اللاجئين؛ نجح المجتمعون خلاله بالفعل في جمع مزيد من التبرعات، تنقذ الموقف الإنساني المتأزم لشهور أو لسنة أو سنتين على أبعد تقدير، لكن سخاءهم هذا أسقط من الأجندات المسألة الأهم التي ينتظرها الجميع وهي المعالجة الجذرية للقضية السورية المتمثلة بحل سياسي ينهي أوجاع الشعب المنهك من حرب مازالت رحاها تطحن الحجر والبشر مدة عقد كامل من الزمن.
غربية هي حالة التعامي وصم الآذان أمام مقتلة السوريين، فالدول الفاعلة تظن أن التبرعات تجعلها بريئة الذمة تجاه الدماء المُراقة، حتى وإن لم تفتح أبواب محاكمها نصرةً للأبرياء، وتحرك المجالس والهيئات الدولية للجم الأسد وداعميه.. لماذا تحول مجلس الأمن الدولي من قوة وُجدت لحفظ الأمن والسلام الدوليين إلى مجلس للندب والشجب والتنديد؟ بالرغم من أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يعطيه سلطة قانونية على حكومات كوكب الأرض.
ما يحدث في سوريا يدفع المجتمع الدولي بكباره وصغاره، ومنظماته السياسية والحقوقية للاجتماع الدائم لوضع حد لجرائم نظام الأسد بحق السوريين، فالأمين العام للأمم المتحدة قال في آخر تصريحاته عن سوريا: "إن 9 سوريين من أصل 10 يعيشون في فقر". وهذا وحده جدير بتحريك الجميع أمام هذه المعاناة، إن لم نتحدث عن براميل الأسد وصواريخه وسلاحه الكيماوي والخطوط الحمر، التي دمرت المدن والبلدات وهجرت ملايين البشر في أصقاع الأرض في واحدة من أكبر حوادث اللجوء منذ الحرب العالمية الثانية، بحيث تؤكد التقارير تهجير 13 مليون سوري داخلياً وخارجياً.
المجتمع الدولي ما زال يتهرب منذ عشرة أعوام من استحقاقاته الأخلاقية تجاه المأساة السورية، فلو شاء الحل، فرضه عبر وسائل عديدة منها القوة، فبين عشية وضحاها قرر إنهاء الحرب الليبية، وظهرت بوادر نهاية النزاع اليمني، وقضايا إقليمية كبيرة كانت عالقة لسنوات، لكنه لم يقرر إيقاف حرب الأسد التي يشاركه بها الروس والإيرانيون، الذين استباحوا البلاد واستولوا على خيراتها عبر عقود لعشرات السنين قادمة.
"بروكسل 5" يحمل في طياته رسالة للسوريين مفادها أن وقت نهاية معاناتهم لم يحن بعد، ومسؤولية الدول الكبرى إلى جانب مشاهدة سيل الدم، تقديم بعض المساعدات فقط تبقي على المشردين أحياء، فهو تحول بكل قوته وجبروته إلى منظمة إغاثية تتعامل مع المرض بالمسكنات دون العمل على معالجته واستئصاله من جذوره، وهو ما قد يوفر عليها مليارات الدولارات واجتماعات ولقاءات قد تتجدد في كل عام.
قضيتنا ليست تبرعات مالية تقدمها الدول لحفظ ماء وجهها، بل حاجتنا الأولى على الأقل هي موقف دولي حازم يجبر الأسد المُتعنت بدعم روسيا وإيران والصين على الخضوع للقرارات الدولية مثل "جنيف 1" وقرار مجلس الأمن 2254، لتنتهي معاناة الشعب ويتمكن القابعون في مخيمات اللجوء من العودة إلى ديارهم أمنين مطمئنين أن لا صاروخاً سيفتت أجساد أطفالهم الغضة، ولا برميلاً متفجراً سيدفنهم داخل منازلهم، حلاً ينهي معاناة المعتقلين داخل السجون المظلمة، والتي أرعبت أهوالها من يعيش بعيداً عن سوريا آلاف الكيلومترات.