من الصعب معرفة ما قيمة العملة السورية أمام نظيراتها الأجنبية، في لحظة نشر هذا المقال، فهي متغيرة في كل ساعة كما يقول إعلاميو نظام الأسد، ولهذا تركناها لقوة قفزة الليرة "الرشيقة" هذه الأيام، فربما يصبح الدولار يعادل الورقة النقدية التي أصدرها النظام مؤخرا من فئة الخمسة آلاف ليرة وربما أكثر من ذلك بكثير، ومثلها أسعار المواد الغذائية والتموينية التي تضاعفت بشكل كبير وأصبحت كالنار الكاوية لا ترحم المثقلين بحرب الأسد على مدى الأعوام العشرة الماضية.
يضرب الجوع أطنابه في كل زاوية من سوريا، مصحوبا بلعنة "كورونا" التي زادت الطين بلَّة، فحلم القابعين في مناطق الأسد لا يتعدى رغيف الخبز وتأمين ما يسد رمق الجياع، كما أن تفكيرهم ينحصر برسالة "البطاقة الذكية" لينتقلوا بعدها إلى معاناة أكبر في الوقوف على الطوابير أمام محطات الوقود والأفران والمؤسسات الاستهلاكية وغيرها للحصول على ما تزعم آلة النظام الإعلامية أنه من "مكرمات" الأسد.
يتساءل البعض لماذا لا تتحول هذه الطوابير إلى مظاهرات ضد من أوصل سوريا إلى هذا المستوى من الفقر والخراب، لدرجة أنها باتت تنتظر تصدق الدول عليها وهي من كانت ذات يوم توزع خيراتها في طول الأرض وعرضها، هل استطاع بشار الأسد تدجين من بقي في مناطق سيطرته وحولهم إلى هياكل تتحرك دون أرواح تعرف مالها وما عليها من حقوق وواجبات؟
الأسد خارج نطاق المساءلة
مؤخرا بدأ بعض الفنانين والإعلاميين المحسوبين على النظام بانتقاد الأوضاع المعيشية، ومعهم تململ الكثير من الشعب ورواد التواصل الاجتماعي، لكنهم لم يصيبوا عين الحقيقة في انتقادهم، فسقفهم طال بعض الوزارات فقط، متجاهلين القائد الأوحد الذي يجمع بيده جميع السلطات وأوصل البلاد إلى هذا الدرك من الفشل، فسوريا في عهده على ذيل قائمة الدول من ناحية التعليم والأمن والحرية والسعادة، وفي مقدمتها من جهة البطالة والفساد والفقر.
ما من شك أن الإعلاميين والفنانين الموالين لم ولن يخرجوا عن الخط المرسوم لهم، وما يفعلوه يشبه إلى حد كبير مسرحيات "غوار الطوشة" في نقد السلطة، هم يعلمون تماما أن اليوم الذي يعيشونه أفضل من اليوم القادم، فسوريا لم تعد تمتلك مقومات الدولة ولن تتعافى بوجود هذا النظام الذي رهن الموانئ والمطارات والمعامل الكبرى للروس لقاء حمايته، وخرجت بسبب حربه مساحات كبيرة من شمال شرقي سوريا عن سيطرته فيها سلة الحبوب والغذاء وغالبية آبار النفط والغاز، عدا عن تدمير الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة.
ثورة البطون لا ثورة الكرامة
منذ شهور وألسنة بعض السوريين ما انفكت تتحدث عن "ثورة الجياع"، في ظل الأوضاع المتردية التي تعيشها البلاد، لكنه من المؤكد لن تقوم لهذه الثورة قائمة، ما لم يتوقف البعض عن مناشدة "بشار" للقيام بحركة "تصحيحية"، ومناجاة روح "حافظ" كي يستيقظ من موته، وهنا أعني الموالاة الذين لم تحركهم في السابق دماء الأطفال المسفوكة بفعل البراميل والصواريخ، حتى الكيماوي المحرم دوليا وقعت مجازره دون أن ترف لهم عين من هولها.
لن تقوم ثورة جديدة في سوريا لا للجياع ولا للمتخمة بطونهم مالم يستفيق البعض من سكرتهم ليروا كيف ساق بشار الأسد أولادهم إلى الحرب، مشهرين فيها سلاحهم بوجه أبناء جلدتهم المطالبين بالحرية والعدالة، على الرغم من أنهم طالبوا بسوريا للجميع يتساوى فيها الشعب بحقوقه وواجباته، وما يؤلم هو حال الرافضين لبقاء الأسد المغلوب على أمرهم ممن عادوا للعيش تحت سطوته بسبب "التسويات" أو "المصالحات" فهم ذاقوا نصيبا كبيرا من حمم صواريخه ومن سياسية التجويع الحالية والتي لا علاقة بالعقوبات الغربية بها كما تزعم وسائل الإعلام الموالية.
بيع سوريا للروسي والإيراني
سوريا اليوم ليست سوى مزرعة لآل الأسد والمقربين منه، ينعمون وأبناؤهم بأموال الشعب المسروقة والمودعة في بنوك الخارج، بينما تطحن الحرب صدور من بقي من معارضة وموالاة، في وقت تغلل فيه الاحتلال الروسي الإيراني لدرجة يصعب تصديقها بعد إبرام عقود استثمار لعشرات السنين، فيما يتفرج أصحاب الحقوق على ما قدمت أيديهم من خذلان لأصحاب ثورة الكرامة التي راح ضحيتها نحو مليون قتيل وأكثر من 12 مليون بين نازح ومهجر.
للأسف القول إنه لم يبق للسوريين داخل البلاد إلا ذكريات "الماضي الجميل" يترحمون عليها، فخلاف بقية شعوب الأرض التي تعيش أيامها دون الالتفاف إلى الوراء، متطلعة بشوق للمستقبل بكل تفاصيله، توقف السوريون عند حاضرهم التعيس الذي بدأ منذ سنوات يزداد سوءا يوما بعد يوم، لدرجة أنهم باتوا يتمنون لو أنهم لم يصلوا إلى هذه الأيام "السوداء" وأن ترجع عقارب الزمن للوراء سنين أو عقود وتحديدا عندما كان المرء قادرا على تأمين لقمة أبنائه حتى ولو بالحدود الدنيا، فرغم قلتها آنذاك إلا أنها تعد رفاهية في "سوريا الأسد".