دراما الممانعة!

انترنت
انترنت

القاعدة الأساسية لدى نظام الأسد هي "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس أو الآخرون"، ولهذا مازالت وسائل إعلامه تخوض وتعيد كذبة "المؤامرة الكونية"، وهذا ما ينطبق أيضا على الدراما التلفزيونية المنتجة تحت أعين رقابة الأجهزة الأمنية التي تستثمر في كل شيء خدمة للقائد ونظامه وعائلته وسلالته ومن والاهم إلى يوم يبعثون.

لم أجهد نفسي هذا العام في البحث عن أي عمل درامي سوري خال من السموم التي يدسها النظام بين طيات حلقاته ومشاهده، فمنذ عشرة أعوام والأعمال جميعها من تأليف وإخراج "المساعد جميل" إما تظهر المسؤولين وضباط الأسد وكأنهم حمامات سلام، أو أن ما جرى في سوريا ليس إلا مؤامرة كونية استهدفت مقاومتها وممانعتها، أو أن الثائرين ضد حكم آل الأسد خونة ومتخلفين من سكان المخالفات الفقيرة الذين تصورهم عدسات النظام على أنهم مواطنين درجة رابعة من السهل شراءهم أو بيعهم لتنفيذ مخططات هدفها نسف نعمة الأمن والأمان التي كانت سوريا مشهورة بها على مدى أربعة عقود من الزمن.

حتى وإن سمح لأي عمل الخوض في النقد فإن السقف لا يصل إلا إلى صغار الموظفين والساسة فهم وحدهم الفاسدون المخربون الذين لا يطبقون القوانين وتوجيهات القيادة الإصلاحية الساهرة على أمن الوطن والمواطن، فعين القيادة الأولى مسلطة على التطور والنهوض بالبلاد والعين الثانية متربصة بالعدو تحرس حدود الوطن من أي محاولة تنتهز الفرصة للنيل منه ومن قيادته الحكيمة.

قبل عام 2011 كانت خطة الأعمال الدرامية المرسومة من قبل النظام تتمثل في الحديث عن "البطولات والانتصارات" فوجدت في المستعمرين العثماني والفرنسي وسيلة تناسب هذا التوجه لدرجة أن المشاهد مل من تكرارها وكثافة عرضها في كل عام، كما كانت الخطة تسمح بقليل من النقد المحدود للتنفيس من احتقان المواطن تمثل في "مسرحيات غوار" وسلسلة "مرايا" و"بقعة ضوء"، لكنها بعد ذلك جهدت في تصوير كل ثائر على النظام كإرهابي متطرف وأداة بيد الغرب وبعض العرب لتدمير البلاد خدمة للمصالح الصهيونية والإمبريالية. 

الدراما التي سيّسها النظام حتى نخاعها الشوكي لم تبتعد عن وسائل إعلامه وآلته العسكرية في محاربة السوريين الثائرين ضد حكم آل الأسد، والمتابع يلامس جيدا مدى انحدارها ومواضع لمسات أجهزة الاستخبارات في حياكتها وترتيب تنفيذها وإخراجها، لدرجة أنها كانت سببا لتذمر أكثر الممثلين موالاة للأسد لأنها أصبحت في الأعوام الأخيرة متشابهة تنضح من إناء واحد وتتحدث عن فكرة واحدة، حتى وإن تغيرت بيئاتها ووجوه من يقومون بتنفيذها. 

لا أنكر أن الدراما السورية حققت نجاحا كبيرا في تسعينيات القرن الماضي وفي العقد الأول من الألفية الجديدة، وكانت هذه الفترة الذهبية لها بالفعل نافست خلالها الدراما المصرية الأولى عربيا وسبقتها، لكن ومنذ أن أطلق الأسد رصاصته الأولى على الشعب عام 2011، اختارت أن تكون تحت عباءة النظام ولهذا السبب خسرت متابعيها وسوق العرض على القنوات العربية، فلا يهم النجاح والانتشار بقدر رضى السلطة وفرع الأمن المسمى بهتانا "نقابة الممثلين" التي أخذت دور المحاكم العسكرية الميدانية وأصدرت أحكام إعدام عرفية بحق الممثلين المعارضين للأسد.


ومثلما كانت الثورة السورية كاشفة للجميع فقد بينت عورات قطاع الدراما بشركاته وممثليه، وبقدر ما اختاروا القرب من النظام فإنهم ابتعدوا عن الشعب، فلو أنهم ظلوا يدورون في حلقة الاستعمار الفرنسي والعثماني عبر سلسلة "باب الحارة" وأخواتها من الأعمال كان أجدر لهم وأقرب للتقوى فأبطال تلك القصص على الأقل غادروا هذه الحياة منذ عقود طويلة، أما من عاصر براميل الأسد وصواريخه وأسلحته الكيماوية ما زال حي يرزق يعرف الحقيقة جيدا كما يرى عين الشمس في وضح النهار.

الدراما هي مرآة الشعوب كما يسميها البعض، تعكس جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، لكنها في سوريا الأسد لا تعزف إلا على وتر السلطة الحاكمة التي طوعتها منذ عقود لخدمة أجنداتها ولتمرير مخططاتها ورسائلها بعيدا عن الواقع الذي يعرفه القاصي والداني، فالنظام يتقن جيدا أساليب تشويه الصور وهو أبرع من زيف الحقائق.