حسين الشيخ و"صفحات سورية" العمل المتفاني

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في خضم الحدث السوري، كدنا ننسى أنفسنا، لا بل نسينا أنفسنا ونسينا غيرنا. في كل مرة أبحث في غوغل عن مادة لي أو لغيري من الكتاب السوريين، يصدر لي غوغل موقع صفحات سورية. المادة التي تبحث عنها موجودة على هذا الرابط في هذا الموقع. في كل مرة أيضاً أقول يجب أن أكتب عن تجربة هذا الموقع. تجربة أعتبرها فريدة في الإعلام السوري البديل. في كل مرة يسرقني الحدث السوري. وهذا بحد ذاته نسياناً ناكراً للجميل. الجميل حسين الشيخ. مؤسس هذا الموقع ومبرمجه الوحيد، ورئيس تحريره، ومدير تحريره، وكل ما يحتاج موقع مثل هذا من عمل، كان يقوم بها الصديقي حسين الشيخ وحيداً في غربته في فنلندا. عمل مرهق بكل ما تعني الكلمة من معنى. سأروي لكم حادثة طريفة بسيطة: في العام 2007 اقترح علي الصديق علي الحاج حسين إنشاء موقع لي خاص. علي هو خبير برمجيات أيضاً. أنشأ لي الموقع وسلمني إدارته، عملت عدة شهور عليه حيث نقلت موادي المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية، وكنت أنشر لبعض الأصدقاء ما يعجبني من مقالات.

كان عنوان الموقع "المفلح. نت" لم تمضي الأشهر الأولى حتى شعرت بالإرهاق، من متابعة هذا الموقع لدرجة أنني نسيت دفع الاشتراك الرمزي. فترة أشهر أريد الدخول إلى الموقع وجدته صار يابانياً. اشتراه أحد المهتمين، حيث حاول الصديق علي استرداده. فطلب الرجل أو الشاب مبلغاً من المال. فلم يشتريه. كلما اتذكر تلك التجربة اقول: كم هو هذا الجهد السوري الرائع للجميل حسين الشيخ الذي يبذله دون مقابل من أجل سورية. صفحات سورية إنه الوثيقة.

ترافقنا أنا والصديق حسين وكثر من الكتاب في مسيرة هذا الموقع، كمتابع لعمل جبار، وككاتب وعرفت من خلال احتكاكي بهذا العمل ما الذي يبذله حسين. إنه من أكثر الأعمال شقاء.

ثمة آمر آخر في إحدى المرات اختلفت سياسياً مع صديق مشترك بيننا أنا وحسين، وكتبت رأيا نقدياً ضد رأي الصديق، ونشره حسين رغم أنه تواصل معي رافضاً ما كتبته. هكذا كان يتعامل حسين حسب معرفتي مع الآراء السورية.

الآن حان الوقت كي أقول لحسين شكراً على هذا الجهد الجبار. وطلبت منه أن يتحدث عن تجربته بنفسه، واستجاب مشكوراً. سأترك للقارئ الكريم ما قاله حسين عن تجربته في إدارة أهم المواقع السورية. إنه موقع "صفحات سورية".

عن سؤال ماذا يعني العمل في إدارة موقع إلكتروني كموقع صفحات سورية..؟

أربكني سؤالك هذا، لم أفكر به من قبل؛ لأنه ربما العمل في موقع "صفحات سورية " صار جزءاً من حياتي، صار جزءاً يبدأ معي منذ الصبح ويستمر لساعات، ويحتل كل اليوم حين أحدث الموقع الذي صار أسبوعياً، ابتدأ الموقع كمدونة عام 2003، ولم أكن أفكر بالمتابع أو القارئ كنت أظنه لنفسي أتمرن فيه على عدم النسيان، وحين وضعت عليه عداد للزوار، اكتشفت أن له زواراً دائمين، وكان العدد يزداد كل يوم بشكل لم أتوقعه. وحينها في عام 2005 حولته إلى موقع رسمي، وكان ظهور "إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي" ربما حافزاً أكبر. منذ 2005 و2008 تعرض الموقع لهجمات مستمرة من قبل النظام حتى أدى في أحد المرات إلى تدميره بشكل كامل، وفقدت كل المواد المنشورة في تلك الفترة ومنذ بداية عام 2008 بدأ الموقع كموقع "صفحات سورية" القديم. نشر أول مقال له بتاريخ 14 كانون الثاني 2008، وكما أشرت إلى أنه تم تحطيم الموقع مرات عديدة بشكل كامل، وحظر الموقع تماماً في سورية، وأشارت منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى ذلك في حينه.

نشر موقع صفحات سورية القديم 14711 مادة. استمر الهجوم على الموقع مرات عديدة وتم تخريبه بالكامل في مرتين، والجميل والمفاجئ أن عروض المساعدة التي توالت من قبل شباب لم يكن لدي أي معرفة مسبقة معهم ومنهم على سبيل المثال لا الحصر وائل العلواني، الذي لازال يساند الموقع حتى اللحظة.

الموقع لم يتلق أي دعم مادي من أي جهة كانت منذ إنشائه حتى الآن، التبرعات التي وصلت إلى الموقع من ثلاثة جهات فقط، حسان شاتيلا، رفيق شامي ووائل العلواني وهذه التبرعات توقفت منذ زمن طويل.

https://alsafahat.net/blog

في بداية الثورة وصل الموقع إلى المرتبة الثانية في التصفح من كل المواقع المحلية والعالمية في سورية، رغم أن الموقع كان قد حجب هناك..

"موقع الانتفاضة الشعبية في سورية "

أوقفت صيغة الموقع القديم، وبدأت بهذا الموقع اعتبارا من 15 أذار 2011

لاحق الموقع الانتفاضة الشعبية منذ اليوم صفر، ولا أعتقد أنه يوجد موقع سوري وثَّق الحدث منذ بدايته وتابعه بشكل يومي وأحياناً بشكل دائم، مثل موقع "صفحات سورية "، نشر الموقع مواداً منذ بداية الانتفاضة الشعبية، وجرى الهجوم على الموقع بتاريخ 17 أذار بعنف، وأعدت بناء الموقع بسرعة آنذاك وبدأ النشر منذ ذلك الحين حتى توقفه بتلك الصيغة بتاريخ 27 أيار 2018

نشر موقع "الانتفاضة الشعبية في سورية" 32930 مادة، تضمنت مقالات وملفات وتحقيقات وحوارات تناولت الانتفاضة الشعبية في سوريا.

https://syria.alsafahat.net

عند اعتقال الفنان "يوسف عبدلكي" من قبل السلطة في سورية في بداية أيام الانتفاضة الشعبية في سورية، قمت بإنشاء موقع يطالب بالحرية ليوسف عبدلكي، جمعت فيه أكثر من 130 مادة من مقالات وبيانات وحوارات تطالب بإطلاق سراحه، وضم الموقع مقالات لكتاب من كل أنحاء الوطن العربي والعالم، وما زلت محتفظ بهذا الموقع ليكون شهادة على ما تستطيع صحافة بسيطة، دون دعم من أي جهة كانت أن تساهم في إطلاق سراح معتقل.

https://www.alsafahat.net/youssef

لا أعرف لماذا أنهيت صيغة الموقع "الانتفاضة الشعبية في سورية" والبدء بموقع متحرر من هذه الصيغة ، فسيح أكثر وربما بصيغة البحث عن ما الذي حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا هزمنا؟ وماذا نفعل؟، أي مراجعة دقيقة لكل ما حصل مع المتابعة المستمرة للحدث السوري، وكانت صيغة الموقع صفحات سورية، والذي استمر منذ العام 2018 حتى نهاية العام 2020، أصيب الموقع بعطل، لم أستطع حله، وصار النشر به أكثر صعوبة، إضافة إلى مشاكل مع الشركة المستضيفة والتي هددت بمحو كل الموقع، وكان لابد من البحث عن المساعدة، وكانت المساعدة التي تلقيتها من "وائل العلواني" مساعدة لا تقدر بثمن، أعانني فيها غلى نقل الموقع إلى شركة مستضيفة أخرى، ولولا مساعدته لكان كل هذا الجهد عبر سنوات ضاع إلى غير رجعة. نشرت في هذه الصيغة من الموقع 3157 مادة.

https://ixiria.alsafahat.net

منذ بداية عام 2021، ابتدأت بصيغة أخرى للموقع وسيستمر على هذه الصيغة

https://www.alsafahat.net

مجموع ما نشرته "صفحات سورية" منذ 2008 حتى الان 51,335 مادة.

موقع "صفحات سورية" كان الموقع الأول من المواقع العربية والسورية الذي طرح مسألة رئيس التحرير الزائر، وحرصت على أن يكون من الشباب السوريين، الدين لم يكن لهم أية خبرة في إدارة مثل هذا الموقع الكبير من قبل، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، فاطمة الصفدي، ياسين السويحة، عبد السلام إسماعيل وغيرهم، الذين كانوا يستلمون فيها تحرير الموقع بالكامل، وكنت أنا وكأنني أعمل عندهم، وكان لهم مطلق الحرية أيضاً في تحديد سياسة الموقع خلال هذا الشهر، والمقالات والتحقيقات التي يريدون نشرها. كان همي هو المساعدة على تطوير ونشوء أقلام شبابية، كنت أعتقد أن الثورة السورية بحاجة اليها أكثر من اي وقت مضى.

نتيجة دراستي البرمجة وقواعد المعلومات في فنلندا لمدة أربعة سنوات توفر لدي المعرفة التقنية اللازمة لإدارة هذا الموقع، عملت في منظمة العفو الدولية (امنستي) لمدة عشرة سنوات في فنلندا.

الموقع لم ينحاز إلى أي جهة من جهات المعارضة السورية، ونشر للجميع بدون استثناء.

الموقع تمرين على البقاء على قيد الحياة، تمرين مستمر للمقاومة، صار هذا الموقع بمثابة تاريخ شخصي، انا أكبر في العمر، وهو يكبر في المحتوى، حين أفكر بالموت، يخطر على بالي لمن سأسلم مفاتيح الموقع، وهل سيستمر؟ هو جهد فردي يضاف إلى كل الجهود الجماعية التي لازالت تمارس الانتفاض ضد هذا النظام الدموي. الموقع مسؤولية كبيرة وشاقة، تتطلب متابعة يومية وجلد وصبر، وعدم الاكتفاء بمصدر واحد، يتطلب أن تكون متوازناً؛ لكي تقدم تجربة متوازنة لا تنحاز إلا للثورة السورية، أنا تعبت حقيقة وأنا احمل كل هذا الجهد وحدي، وكل حين تتعب روحي وتكل، فأقرر التوقف عن هذا العمل المضني، ولكنني حين أنظر إلى عدد المتابعين الذي لا يلبث أن يزداد كل حين، وكلما أتذكر العديد من الشباب الذي كان يتصل بي حين ينجح النظام في الهجوم على الموقع وتحطيمه، حقيقة لا أعرف عدد المرات التي حطموا بها الموقع ومرات كثيرة بشكل كامل، أشعر بمسؤولية اتجاههم فأعدل عن التوقف، لكنني حقيقة تعبت جدا.

الموقع لم يعد بحاجة إلى أي عون مادي، فأنا استطيع وما أزال تحمّل التكلفة المادية للموقع دون أي عون أو مساعدة، أيضاً اتحمل كل الهم التقني فيه، وأيضاً أنا أكون المحرر ورئيس التحرير، عليَّ أن اقرأ يومياً عشرات المقالات، وعلي أن أقرر ما هو الملف الذي يجب الانتباه إليه، وماهي المقالات المهمة التي تستحق النشر، كل ذلك بالإضافة إلى اهتمامي الأدبي الأصلي، والذي ما زلت أحرص على متابعته، أي الهم الثقافي الذي لا يقل أهمية عن الهم السياسي، أحرص فيه على اطلاع المتابع على كل الأحداث الثقافية الحالية، من شعر، مقال، نصوص، كتب، سينما، وهنا تزداد المهمة صعوبة، ويزداد العمل تطلباً ووقتاً وتفرغًا.

أعتقد أن الموقع شكل بمثابة ذاكرة سورية غنية غطت عقد من الزمن يعتبر من أكثر الفترات تعقيداً في تاريخ سورية الحديث، شكل ذاكرة غنية ومميزة في المحتوى، وشملت عدد كبير من الكتَّاب السوريين بالتخصيص والعرب أيضاً، قبل زمن قصير سألني أحد الكتاب السوريين عن مقالاته التي نشرها وفقد الكثير منها، فكانت "صفحات سورية" عند حسن الظن وأرسلت له كل مقالاته.

العمل في "صفحات سورية" هو بمثابة بيت أهل جديد لي، له غرف تضم كل هموم سورية الثقافية والسياسية، ويضم غرفاً للزوار ضمت العديد من الكتاب السوريين وغيرهم، ونشرت لهم وتابعتهم، بالطبع لم أستطع وحدي أن أغطي كل جوانب الهم السوري، ولكنني حاولت بشدة. لا أعرف ماذا سيكون الأمر بعد ذلك، سأحاول الاستمرار ما استطعت، وحين سأتوقف آمل أن أكون قد أديت واجبي من أجل سوريا التي أحب.