لفرط ما تتضمن اللغة العربية من إعجاز وغنى وبحر من المفردات والمرادفات، لم يزعم أي عالم لغوي، أو كاتب، أو شاعر أنه يتقنها إتقانا تاما، إلا شاعر العرب المتنبي الذي قال
:
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم.
وهذا القول هو تحد كبير لكل من كتب بالعربية.
إذ قال:
أي مكان أرتقي أي عظيم أتقي
وكل ما خلق الله وما لم يخلق
محتقر في همتى كشعرة في مفرقي
حتى سيبويه الذي دوخته كلمة حتى قال: "أموت وفي قلبي شيء من حتى" لأنها خافضة رافعة ناصبة. وكم من كلمة أو حرف تحاكي حتى وما أدراك ما حتى. فاللام المزحلقة كم زحلقتنا، وفاء السببية كم سببت لنا بمشاكل، والأفعال المتعدية لمفعول ومفعولين وثلاثة مفاعيل كم تهنا باعتداءاتها، وكم أخت من قبيلة أخوات كان جهلنا وجودها، أما أخوات قبيلة إن المناهضة لها في النصب والرفع كم أختلط علينا التمييز بينها وبين إن الشرطية، ويقال عندما يعترينا الفهم نقول: "إن في المسألة إن". أما الممنوع من الصرف فحدث ولا حرج فكم أكرمنا ممنوعا من الصرف بضمتين أو فتحيتين أو كسرتين. ولا بد أن أحكي عن جواب القسم الذي يخفي فعل القسم كقوله تعالى: "والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس" فالليل مكسور، والصبح مكسور، أو قوله تعالى:"والتين والزيتون" فالتين مكسور وكذلك الزيتون. وكم من مرة وقفنا عصي الفهم لبيت شعر كقول الأعشى:
وقد دنوت إلى الحانوت يتبعني شاو مشل شلول شلشل شول
فهل يتبجح أحدنا كالمتنبي بالقول أنه ينام ملء جفونه عن شواردها.. لا أعتقد وخاصة زعماؤنا الأشاوس الذين لم يرتق أحدهم في العلم أكثر من "ثانوية تشحيط" أو ما ندر، فيرفعون المكسور، ويخفضون المرفوع، و ينصبون الساكن، ولا يعرفون ما هو الضمير..
في هذا اليوم الذي نمجد فيه اللغة العربية لا بد أن نترحم على المتنبي الذي قال قوله الشهير
إنما الناس بالملوك وما تفلح عرب ملوكها عجم
وكم في هذا القول من إن..