في إطار سعي الإدارة السورية الجديدة للانفتاح على العالم وتلقي قبول دولي بالتغيير الذي حصل في سوريا أواخر العام الماضي وسقوط نظام بشار الأسد، تلقف الرئيس السوري أحمد الشرع دعوة نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون لزيارة باريس بالقبول. حيث قالت الرئاسة الفرنسية إن الرئيس إيمانويل ماكرون يستقبل الرئيس السوري في باريس اليوم.
ومن المتوقع أن تتناول هذه الزيارة، وهي الأولى للشرع إلى دولة أوروبية، عدة تحديات أمنية تواجهها الحكومة السورية الجديدة، مع التركيز بشكل خاص على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سيادة سوريا. كما أن مسألة إعادة الإعمار وآفاق التعاون الاقتصادي والتنمية في سوريا ستكون في مقدمة القضايا التي ستركز عليها المباحثات، ولاسيما في مجالات الطاقة وقطاع الطيران.
هذه التطورات تأتي في ظل استمرار الوضع الاقتصادي المتردي والمأساوي الذي يعيشه السوريون بسبب الأعمال الحربية الطويلة التي خلفت تدمير مقدرات البلاد، وتوريث السلطة الجديدة دولة متهالكة وعقوبات اقتصادية غربية جائرة لا زالت مفروضة حتى الآن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي.
وبنظر الخبراء، فإن فرنسا يمكن أن تلعب دوراً في مسألة تخفيف العقوبات عن سوريا إلا أنهم شككوا بقدرة ماكرون على إقناع الإدارة الأمريكية بوجوب رفعها كلياً، خصوصاً وأنه لن يستطيع الوقوف في وجه السياسة الأمريكية وتابعتها الأوروبية على حد سواء فيما يتعلق بالشرق الأوسط والتطورات الحاصلة في سوريا.
وبنى الخبراء فرضيتهم على أساس مؤتمر المانحين الذي عقد في بروكسل في 17 مارس الماضي، والذي خفضت فيه الدول الأوروبية قيمة المساعدات لإعمار سوريا الى 5,8 مليار يورو، مقابل 7,5 مليارات في العام الماضي، في ظل عدم مساهمة الولايات المتحدة. ويعتبر هذا الرقم أدنى بكثير من ذاك الذي تم التعهد به في المؤتمر نفسه في العام الماضي. وهو إنما يدل على ضعف الإتحاد الأوروبي وعدم قدرته على اتخاذ قرارات هامة كرفع العقوبات كلياً بمعزل عن الولايات المتحدة.
ويعاني الاقتصاد السوري من دمار ناتج عن حوالي 14 عاماً من الصراع والقيود الدولية، ويعيش تسعة من كل عشرة من أفراد الشعب في فقر، ويواجهون انعدام الأمن الغذائي، وفقاً لتقارير للأمم المتحدة. كما أُعيد تصنيف سوريا إلى فئة البلدان ذات الدخل المنخفض من قبل البنك الدولي في 2018، مع انهيار الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020.
وأشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صدر في فبراير، الى أن "العقوبات لعبت دوراً رئيسياً في عزل سوريا عن النظام المالي العالمي، وتقييد التجارة، وزيادة تكاليف الاستيراد، والحد بشكل كبير من الصادرات والتحويلات المالية". وورد بالتقرير أن "تخفيف العقوبات وتحسين الوصول إلى الأسواق العالمية سيكونان أمرين حاسمين في تعزيز الآفاق الاقتصادية في سوريا، وتعزيز تعافيها، وفي النهاية تعزيز السلام على المدى الطويل".
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع، قد أكد في العديد من خطاباته على ضرورة رفع العقوبات عن سوريا. فيما قال وزير خارجيته أسعد الشيباني في كلمة أمام الجمعية العام للأمم المتحدة أن "الإبقاء على العقوبات يزيد المعاناة والأزمة الاقتصادية، ويضعف قدرة البلاد على بناء المؤسسات ومنع النزاعات المستقبلية".
ورددت الكثير من الدول العربية والأجنبية الدعوات لرفع العقوبات عن سوريا، فيما لا تزال الولايات المتحدة ومن خلفها الإتحاد الأوروبي تماطل وتضع الشروط وتخلق الأعذار في هذه المسألة الملحة، رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على سقوط نظام الأسد البائد الذي كان سبباً رئيسياً في وضع العقوبات على سوريا، نظراً لارتكابه جرائم حرب وممارسات غير إنسانية.
روسيا ومن جانبها طالب وزير خارجيتها برفع العقوبات عن سوريا، حيث قال: "إن هذه العقوبات لم تضر بشار الأسد وحكومته، بل الشعب السوري، وما زالت تفعل الشيء نفسه. نحن نسعى لرفع هذه العقوبات الأحادية الجانب دون أي شروط".
وفي اطار التنافس الروسي الغربي قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، بأن الغرب مستمر في فرض عقوبات على سوريا، مؤكدا على معارضة بلاده الدائمة لهذا الأمر، ومشيراً الى أن "القيود المفروضة على سوريا لا تستند إلى القانون الدولي، ولم يتم الموافقة عليها من قبل مجلس الأمن الدولي، وهي أثرت سلبا على جميع القطاعات في سوريا".
ووفق الخبير كامل الأشعري فإن الانفتاح الذي تشهده سوريا على العالم بعد عقد كامل من العزلة الدولية لهو أمر جيد، إلا أنه من الأهم الآن أن تبحث الإدارة السورية عن طرق لرفع العقوبات عن البلاد لإنعاش الحياة وتفعيل عجلة الاقتصاد وبالتالي إرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل المشاكل الداخلية وتوحيد البلاد، وأضاف أنه لا بد من استفادة سورية من كل الاطراف الدولية لاستعادة عافيتها ورفع العقوبات الاقتصادية عنها.
وبرأي الخبير فإن التوجه نحو الشرق وتعزيز العلاقات مع الجميع، تركيا والغرب والصين وروسيا والدول العربية، كل ذلك من شأنه أن يعالج العديد من القضايا الاقتصادية والأمنية في سوريا، في انتظار تغير الموقف الأمريكي تجاه رفع العقوبات.
مع الأخذ في الاعتبار أن ائتلاف الـ"بريكس" خرق هيمنة القطب الواحد الغربي الأمريكي، وأصبحوا يشكلون ندّاً اقتصادياً مهماً وقوة عالمية تستطيع الوقوف في وجه الولايات المتحدة والغرب وعقوباتهما العشوائية.
وعزز الأشعري رأيه بالاستعداد المثير من الدول لمساعدة سوريا ولعل روسيا تمضي بخطوات على الأرض في سبيل تحسين علاقتها مع الادارة السورية الجديدة، من تقديم المساعدات الإنسانية الى إرسال بواخر محملة بالنفط الوقود والقمح والعملة المحلية، وموقفها في مجلس الأمن ومختلف المحافل الدولية على رفع العقوبات الغربية والتأكيد على مسألة وحدة سوريا واستقرارها ومساعدة إدارتها الجديدة في عملية النهوض والبناء.