شهد المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك حدثًا بارزًا تمثل في رفع العلم السوري الجديد من قبل وزير الخارجية السوري، الدكتور أسعد الشيباني، وذلك تزامنًا مع مشاركته في جلسة إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي. جاء هذا المشهد في إطار المساعي الحثيثة التي تبذلها الحكومة السورية الحالية لتعزيز حضورها على الساحتين الإقليمية والدولية، بعد سنوات عصيبة من النزاع المسلح والانقسامات الداخلية.
وفي تصريحاتٍ متكررة، أكد الرئيس السوري، أحمد الشرع، على انفتاح بلاده للحوار مع كافة الفاعلين الإقليميين والدوليين، ساعيًا إلى إرساء دعائم الاستقرار وتعزيز التعاون المشترك. كما أشار إلى التطور الملحوظ في العلاقات الثنائية مع دول الجوار، لاسيما تركيا، التي تشكل شريكًا استراتيجيًا في ظل الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمع البلدين. ولم يغفل الرئيس الشرع الإشادة بالدور الروسي الداعم، والذي تجلّى في أكثر من موقف سياسي وعسكري، مما عزز من مكانة سوريا كعنصر فاعل في المعادلة الإقليمية.
وفي حوارٍ خاص مع صحيفة "نيويورك تايمز"، كشف الرئيس الشرع عن مفاوضات جارية مع كل من أنقرة وموسكو لتعزيز التعاون العسكري والأمني، مشيرًا إلى أن "الوجود العسكري التركي والروسي على الأراضي السورية يخضع حاليًا لمراجعات شاملة، تمهيدًا لصياغة اتفاقات جديدة تحفظ السيادة الوطنية وتضمن عدم اختراق القوانين المحلية". وأضاف قائلًا: "إن روسيا تمثل شريكًا أساسيًا في مجال التسلح، كما أن لديها مصالح اقتصادية متجذرة في سوريا، لاسيما في قطاعات الطاقة والغذاء، مما يستدعي مراعاة هذه الاعتبارات في أي اتفاق مستقبلي".
وأوضح الرئيس السوري أن بناء القدرات الدفاعية للجيش السوري يتطلب وقتًا طويلًا، نظرًا للدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية العسكرية خلال سنوات الحرب، مؤكدًا أن بلاده لن تتوانى عن شراء الأسلحة من أي جهة توفر ضمانات احترام السيادة والاستقلال. كما نوه إلى أن العديد من الدول الأوروبية والإقليمية قد أبدت اهتمامًا واضحًا بتحقيق الاستقرار في سوريا، شريطة الالتزام بالضوابط القانونية التي تحظر استخدام الأراضي السورية كمنصة للتهديدات الإقليمية.
السياسة الروسية: بين الحفاظ على النفوذ وتجنب الصدامات
من جانبها، تواصل روسيا حث خطاها في إعادة تعريف دورها داخل الأراضي السورية، ساعيةً إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، وتجنب الدخول في صراعات مفتوحة مع القوى المنافسة.
وقد شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من اللقاءات المكثفة بين مسؤولي الأمن والمخابرات في البلدين، كان آخرها اجتماع سري في العاصمة الأذرية باكو، مما يؤشر على عمق التنسيق بين الجانبين. كما أعرب المسؤولون الروس عن استعدادهم لدعم سوريا في مختلف المجالات، انطلاقًا من رؤية الرئيس فلاديمير بوتين الذي يعتبر الملف السوري أولوية قصوى في السياسة الخارجية لبلاده.
كما عقد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا اجتماعا مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. وأفادت وكالة "سانا" السورية للأنباء بأن اللقاء عقد في مدينة نيويورك، يوم الثلاثاء، دون أن تكشف عن مزيد من التفاصيل.
التحديات الاقتصادية والعقوبات الغربية
يواجه الاقتصاد السوري تحديات جسيمة تعيق عملية إعادة الإعمار، أبرزها العقوبات الاقتصادية المشددة التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. وقد دعا الرئيس الشرع في أكثر من مناسبة إلى رفع هذه العقوبات بشكل كامل، معتبرًا إياها إرثًا من عهد النظام السابق، ومؤكدًا أن استمرارها يحول دون تحقيق أي تقدم ملموس على صعيد التنمية.
وأشار الخبراء إلى أن الدعم الروسي سواء عبر المساعدات العاجلة من الوقود والقمح، أو من خلال الاستثمارات طويلة الأجل في قطاع الطاقة سيكون له أقر إيجابي على البلاد. كما أن التعاون العسكري مع موسكو مهم في إعادة هيكلة الجيش السوري وردع أي تهديدات خارجية، لاسيما من الجانب الإسرائيلي، ولاسيما أن أغلب السلاح السوري الحالي روسي الصنع.
الوجود الأجنبي: بين المبررات والواقع
فيما يتعلق بالتواجد العسكري الأجنبي، لا تزال القوات الأمريكية متمركزة في شرق سوريا وشمالها، مدعيةً حماية المنشآت النفطية ومحاربة التنظيمات الإرهابية. بينما يحتفظ الجانب الروسي بوجود محدود لكنه مؤثر في المناطق الساحلية، مما يعكس تنافسًا خفيًا بين القوى الكبرى على النفوذ في هذه البقعة الإستراتيجية.
ختامًا، يمكن القول إن سوريا تقف على مفترق طرق حاسم، حيث تسعى جاهدةً لتحقيق الاستقرار الداخلي واستعادة دورها الإقليمي، وسط بيئة دولية تتسم بالتعقيد والتنافس. ولا شك أن نجاح هذه المسيرة مرهون بقدرة القيادة السورية على المناورة بين المصالح المتضاربة، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية التي تجعل من سوريا دولةً مستقلةً ذات سيادة.