تشهد العاصمة السورية دمشق تحولات جذرية على المستويين السياسي والدبلوماسي، فبعد مرور ثلاثة أسابيع على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد على يد فصائل المعارضة، تسعى الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع إلى إعادة سوريا إلى دائرة الاهتمام الدولي. وفي خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، كشف محافظ دمشق، ماهر مروان، في تصريحات حصرية لـ "NPR" الأمريكية، عن رغبة الحكومة الجدية تهدئة المخاوف الإقليمية والدولية التي تصاعدت بعد التغيير المفاجئ في السلطة. هذه التطورات المتسارعة تلقي بظلالها على مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها، وتثير تساؤلات حول طبيعة المرحلة القادمة ومآلاتها.
في مقابلة أجرتها مراسلة "NPR" هديل الشلجي، كشف محافظ دمشق ماهر مروان، عن رؤية الحكومة الجديدة للعلاقات مع إسرائيل، وذلك في أول تصريح رسمي من نوعه منذ الإطاحة بنظام الأسد. وأوضح مروان، الذي يتحدث باسم حكومة الشرع، أن الحكومة تتفهم مخاوف إسرائيل إزاء التطورات الأخيرة في سوريا، والتي وصفها بأنها "طبيعية" بسبب ظهور "فصائل" معينة. وفي إشارة ضمنية إلى الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية في سوريا بعد سقوط النظام، قال مروان بأن إسرائيل "ربما شعرت بالخوف فتقدمت قليلاً وقصفت قليلاً".
ووفقاً لمراسلة "NPR"، فقد جرى اللقاء في مكتب محافظ دمشق الذي يزدان بأثاث عربي دمشقي، حيث استقبل مروان فريق الإذاعة الأمريكية مرتدياً حلة رسمية، واكتفى بمصافحة أعضاء الفريق الذكور، حسبما ذكرت الصحيفة. وخلال اللقاء، أكد مروان على أن الحكومة الجديدة تسعى إلى تجاوز حالة عدم الثقة التي سادت العلاقات بين البلدين على مدى عقود، والعمل على بناء جسور من التفاهم والتعاون.
لطالما كانت العلاقات السورية الإسرائيلية متوترة، منذ عام 1967 التي احتلت إسرائيل خلالها هضبة الجولان السورية، وحرب عام 1973 التي "يُزعَمُ" أن حاولت سوريا خلالها استعادة الجولان. وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي ساد الحدود بين البلدين في العقود الأخيرة، إلا أن حالة العداء ظلت قائمة، وتخللتها مناوشات وغارات إسرائيلية على مواقع في سوريا بحجة استهداف مصالح إيرانية أو منع وصول أسلحة إلى حزب الله اللبناني. وقد ازدادت حدة هذه الغارات بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011، والتي شهدت تحالف نظام الأسد مع إيران وحزب الله.
ووفقا للشلجي، قال مروان: "هناك شعب يريد التعايش. إنهم يريدون السلام. ولا يريدون النزاعات".
وقال مروان، الحاكم الجديد لدمشق، إن "مشكلتنا ليست مع إسرائيل"، وأن الإدارة الجديدة "لا تريد التدخل في أي شيء يهدد أمن إسرائيل أو أي دولة أخرى". حيث أكد مروان، في تصريحاته، بأن "من الطبيعي أن تشعر إسرائيل بالقلق" تجاه الحكومة السورية الجديدة، وأن هذا "الخوف" هو الذي دفع إسرائيل إلى "التقدم قليلاً وقصفٍ قليلاً"، بحسب تعبيره.
إلى جانب ذلك، كان قد كشف مسؤول أمريكي لـ"NPR" أن الولايات المتحدة نقلت رسالة الإدارة السورية الجديدة إلى إسرائيل، إلا أن البيت الأبيض لم يحث أي من الطرفين على اتخاذ خطوات فورية نحو إقامة علاقات. وفي المقابل، أعلنت مصادر إسرائيلية، وفقاً لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن المسؤولين الأمريكيين يتفهمون المخاوف الأمنية الإسرائيلية، إلا أنهم يرون أن على إسرائيل منح النظام الجديد فرصة.
إن تصريحات محافظ دمشق، التي نقلتها إذاعة "NPR" الأمريكية، جاءت بمثابة مفاجأة كبيرة للكثيرين، ويمثل التحول الدراماتيكي في الموقف السوري من إسرائيل عبر تصريحات محافظ دمشق الأخيرة نقطة تحول محورية في مشهد الشرق الأوسط، إذ يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تغييرات جوهرية على المستويين الإقليمي والدولي.
ومساء يوم الجمعة 27 ديسمبر/كانون الثاني 2024، ظهر محافظ دمشق ماهر مروان، في فيديو مصور، نافياً ما نقلته "NPR" ووسائل الإعلام، وأنه لم يتطرق إلى "السلام مع اسرائيل" وأكد مروان أن سياق الحديث جاء عن السلم الأهلي الداخلي المحلي، يأتي هذا بعد أن ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتناقلها لما نشر عن حديثه في تلك المقابلة مع شبكة "NPR"
وقال مروان، في الفيديو الذي نُشر مؤخراً، موضحاً أنه "ليس من صلاحيته التصريح في هذا الشأن، وأن "هناك وزارة خارجية وهناك قيادة" موضحاً أن حديثه مع الوكالة الذي طال قرابة ساعة، أكد أنه كان يصيب في سياق "ان الشعب السوري يريد التعايش، السلم الأهلي"، مضيفاً "أن الشعب تعب خلال سنوات الثورة، وانه بحاجة إلى السلام الداخلي، ولا يريد الحروب الخارجية". وختم بقوله "أن الله هو الرقيب على ماقلت ونويت".