وثيقة مسربة عن مخابرات النظام السوري: الكيميائي والهجوم على سراقب والفوج 46

الأحد, 27 أكتوبر - 2024
الوثيقة السرية المسربة
الوثيقة السرية المسربة


التصريحات المتواترة من قبل الحكومة الروسية والمسربة من وثائق المخابرات السورية تعتبر مؤشرا خطيرا إلى احتمال قصف قوات النظام للمناطق المأهولة بالسكان بالسلاح الكيميائي.
حصلت «القدس العربي» على وثائق جديدة مسربة من شعبة المخابرات العسكرية لدى النظام السوري، إحدى تلك الوثائق صادرة من فرع الأمن العسكري في إدلب، موسومة بـ«سري للغاية» موجهة إلى رئيس اللجنة العسكرية والأمنية في إدلب، اللواء عمران محمود عمران، الذي يشغل -في الوقت نفسه- قيادة الفيلق الخامس اقتحام تطوعي المدعوم من روسيا. وشددت البرقية الصادرة عن فرع الأمن العسكري بإدلب (الفرع 271) على تكرار الدعاية الروسية التي تتهم فصائل المعارضة بالتجهيز لاستخدام السلاح الكيميائي. وتشير الوثيقة استنادا إلى المعلومات الواردة للفرع بأن «هيئة تحرير الشام الإرهابية تخطط لتنفيذ مسرحية السلاح الكيميائي» من دون أن يحدد الفرع الأمني منطقة الاستهداف، وتحاول الوثيقة الربط بأن توقيت الهجوم الكيميائي يتزامن مع «تحركات مريبة للجيش التركي في العديد من نقاط تمركزه».
ويعود تاريخ البرقية الصادرة عن رئيس الفرع 271 في شعبة المخابرات العسكرية إلى يوم 12 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري (أخفت «القدس العربي» رقم البرقية السرية المكتوبة بخط اليد حرصا على سلامة المصدر). ووجه نسخا من البرقية إلى رؤساء اللجان العسكرية والأمنية في محافظات حلب واللاذقية وحماة على اعتبارها تتشارك خطوط القتال مع فصائل المعارضة شمال غربي سوريا.
وتسبق البرقية المسربة حسب تاريخها أحدث التصاريح الروسية حول استخدام السلاح الكيميائي من قبل فصائل المعارضة، حيث اتهم مركز المصالحة الروسية في سوريا هيئة «تحرير الشام» السبت الماضي، بالتحضير لاستخدام المواد السامة في منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وما حولها).
وقال نائب رئيس المركز الروسي، العقيد البحري أوليغ إيغناسيوك، إن «المركز الروسي للمصالحة تلقى معلومات حول تحضير قادة جماعة جبهة النصرة الإرهابية لاستفزازات باستخدام المواد السامة».
وأضاف «يخطط الإرهابيون بالتعاون مع أعضاء منظمة الخوذ البيضاء من أجل تنفيذ تمثيلية لاستخدام المواد السامة في الجزء الجنوبي من منطقة لغرض اتهام القوات الحكومية السورية بتوجيه ضربات عشوائية واستخدام المواد السامة ضد السكان المدنيين».
وتعتبر التصريحات المتواترة من قبل الحكومة الروسية والمسربة من وثائق المخابرات السورية مؤشرا خطيرا إلى احتمال قصف قوات النظام للمناطق المأهولة بالسكان بالسلاح الكيميائي، تتزامن مع القصف الجوي الروسي لمناطق متفرقة في إدلب خلال الأسبوعين الأخيرين.
وفي التفاصيل، اتهمت البرقية كلا من الجيش التركي والجيش الوطني المعارض وهيئة «تحرير الشام» بأنها على أتم الجاهزية والاستعداد لبدء ما قالت أنه «معركة لاسترداد المناطق التي حررها الجيش العربي السوري منذ عام 2019» حسب نص الابلاغ الأمني. وهي أرياف حماة الشمالي وأرياف إدلب وصولا إلى حلب. ويتوقع رئيس الفرع المكلف أن هدف الهجوم هو «الوصول إلى منطقة مورك. والتقدم باتجاه حماة وإن العملية الآن متوقفة فقط. على توقيع الإرهابي عبد الرحمن مصطفى رئيس الحكومة السورية» (الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة).
وتوضح البرقية أن مصادر الفرع قد رصدت تحرك رتل كبير لفصائل المعارضة من مدينة جسر الشغور باتجاه محافظة حلب بقصد الهجوم على قوات جيش النظام المتمركزة في ريف إدلب انطلاقا من سراقب وصولا إلى مدينة حلب.
وتضيف البرقية، أن الفصائل «تحضر لشن هجوم واسع النطاق ومتزامن باتجاه مواقع الجيش العربي السوري في محاور ريف اللاذقية الشمالي وريف إدلب الجنوب والجنوب الشرقي وصولا إلى منطقة سراقب، الهدف منه قطع الطريق الدولي M5 بالتوازي مع تجهيز طائرات مسيرة لاستهداف هذه المواقع. بالإضافة إلى إصدار أوامر إخلاء عدد من المناطق والقرى المتاخمة لخطوط التماس».
ويزعم الأمن العسكري بأن هيئة تحرير الشام تستعد «لتنفيذ مسرحية السلاح الكيميائي، ولم تحدد المنطقة والتوقيت بالتزامن مع تحركات مريبة للجيش التركي في العديد من نقاط تمركزه».
وفي سياق منفصل، ادعت مخابرات النظام أن فصائل المعارضة قامت «بإخلاء ثلاث بلدات في ريف إدلب هي بنش، تفتناز آفس من الأهالي» بالتزامن مع استقدام عدد كبير من المقاتلين إلى تلك البلدات، مع أسلحة ثقيلة مثل الدبابات والمدافع.
وفي إشارة خطيرة تحدد البرقية عددا من المواقع العسكرية في ريف إدلب، وتنشر إحداثياتها بشكل دقيق وأبرزها ما أسمته «منظومة تشويش متطورة ضمن مطار تفتناز» وهو أحد أكبر القواعد التركية في محافظة إدلب ويقابل مواقع سيطرة قوات النظام على طريق الترانزيت الدولي حلب -دمشق والمعروف اصطلاحا M5 كما تحدد الوثيقة مقرين آخرين بقرية بسليا في ريف إدلب الجنوبي ومقر آخر في قرية الشيخ يوسف بسهل الروج غربي إدلب، كما تدعي البرقية الأمنية.
وجاء في وثيقة الفرع 271 أن فصائل المعارضة المتمركزة في محيط الفوج 46 (فوج الأتارب) تخطط للهجوم على الفوج المذكور انطلاقا من محاور كفرتعال وبسرطون وكفرعمة إضافة إلى الهجوم على نقاط جيش النظام المتمركزة في محيط الفوج، تحديدا في معمل الزيت والوادي. وتعزو سبب الهجوم إلى أنه بمكانة رد على استهدافات جيش النظام لتحصينات ومواقع فصائل المعارضة في الشمال السوري.
وتشير البرقية إلى أن فصائل المعارضة في محافظة حلب قد رفعت الجاهزية العسكرية في مناطق اعزاز وكباشين وعفرين وتقاد ودخلت في حالة استنفار بهدف «شن هجوم واسع على كافة المحاور» ردا على ما وصفته «استهداف قوات الجيش العربي للحزب الإسلامي التركستاني في محافظة إدلب» ونوهت البرقية المرسلة إلى قادة القطاعات والاتجاهات بأن فصائل المعارضة قامت «بتجهيز انغماسيين تركستان» لغاية الهجوم على الفوج 46 في الأتارب. وزادت أن هدف فصائل المعارضة الرئيسي هو الفوج 46 وسراقب وبسرطون.
ويقترح الضابط المكلف بتسيير شؤون الأمن العسكري بإدلب على رئيس اللجنة العسكرية والأمنية إعلام القادة لأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر.
وفي تقرير صادر عن فرع فلسطين (الفرع 235) التابع لشعبة المخابرات العسكرية، يتهم فصائل المعارضة المتواجدة في إدلب أنها «تنتظر الأوامر من الاحتلال الأمريكي والعدو الإسرائيلي لبدء الهجوم على محافظة حلب» حيث وردتهم تعليمات بدء الهجوم من منطقة سراقب باتجاه الجنوب وباتجاه قطاع مدينة معرة النعمان لقطع «خط الإمداد عن محافظة حلب». وسيتركز الهجوم على ريف حلب الغربي باتجاه الفوج 46. وكرر النظام السوري اتهام الفصائل بانها أخلت «الخطوط الأمامية من الأهالي والمدنيين في بلدات آفيس وسرمين».
وادعت الوثيقة الصادرة عن أبرز الفروع الأمنية أنه سيتم إمداد الفصائل بالعتاد والسلاح من قبل «الاحتلال الأمريكي عبر ميليشيا قسد. وسيقوم الاحتلال التركي بإغلاق معبر باب الهوى بدعوى إنه ملتزم بالمعاهدات المبرمة مع الجانب الروسي». واصفا إغلاق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا أنه مجرد «تغطية منه لما يتم التخطيط له من قبلهم بالتنسيق مع الاحتلال الأمريكي» وختم التقرير «كان من المفترض أن يتم الهجوم في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري إلا أنه أجل لوقت آخر». كثافة البرقيات الصادرة عن المؤسسة الأمنية وما يشاهد في الميدان على خطوط الجبهات حسب ما تنشر وسائل إعلام النظام السوري وصفحات الإعلاميين الحربيين في الفرقة 25 ـ مهام خاصة والقوات الخاصة وأخرين من الحرس الجمهوري، تدلل بأن النظام يخشى هجوما على طرق التزانزيت وخصوصا عقد تلاقي طريقي حلب -دمشق M5 مع طريق حلب ـ اللاذقية M4 في مدينة سراقب، ويتخوف النظام من تطوير محور هجوم واسع لا يستطيع تقديره بأي اتجاه تحديدا، فبعض البرقيات الأمنية تشير إلى أنه على مقطع الطريق بين حلب وسراقب والممتد على طول 40 كم، وفي تقديرات أخرى يتوقع أن يمتد الهجوم بين سراقب ومعرة النعمان على طول 50 كم، وفي تقديرات مخالفة يتوقع أن يبدأ الهجوم من جنوب جبل الزاوية وصولا إلى مدينة مورك، بمعنى أن ينطلق باتجاه كفرنبل ومنها إلى خان شيخون عبر معرة حرمة وحيش، وهي منطقة جبلية وعرة تخفف من القصف الجوي الروسي ضد المهاجمين، إلا أن الوصول إليها يحتاج معركة طويلة النفَس وصلبة الإرادة. في حين أن محور الهجوم بين سراقب والفوج 46 أكثر ترجيحا من الناحية العملية ومن ناحية المكسب الاستراتيجي، باعتبار أنها توسع سيطرة المعارضة باتجاه مدينة حلب من جهة، وتبعد تواجد قوات النظام عن معبر باب الهوى الحدودي.