القدس العربي» تنشر وثيقة مسربة: تجويع المدنيين في مخيم الركبان السوري بقرار عسكري

الأحد, 16 يونيو - 2024
الوثيقة المسربة بمنع دخول المساعدات إلى مخيم الركبان في سوريا
الوثيقة المسربة بمنع دخول المساعدات إلى مخيم الركبان في سوريا


تعتبر الوثيقة بمثابة أول إقرار قانوني من جهة عسكرية بارتكاب جريمة ترقى لجرائم حرب تتثمل بفرض حصار على المدنيين ومنع إدخال الطعام والدواء لهم.
يستمر حصار مخيم الركبان الواقع في منطقة الـ 55 كم في البادية السورية حيث يمنع النظام دخول الطعام والدواء وأعلاف الحيوانات إلى المنطقة منذ 65 يوما، تمكنت خلالها شاحنتان فقط من الدخول بعد رشوة الحواجز المحيطة.
وتنشر «القدس العربي» الوثيقة الصادرة عن وزارة الدفاع السورية في نظام الأسد والتي كانت نشرت مضمونها قبل ثلاثة أسابيع، وتتحفظ على رقم الفاكس الخاص بالبرقية بغية حماية المصدر. وتعتبر الوثيقة بمثابة أول إقرار قانوني من جهة عسكرية بارتكاب جريمة ترقى لجرائم حرب تتثمل بفرض حصار على المدنيين ومنع إدخال الطعام والدواء لهم.
وكانت الوثيقة قد صدرت عن هيئة العمليات التابعة للجيش والقوات المسلحة في 1 نيسان (أبريل) 2024 وتوجهت إلى «القادة والتشكيلات والقطعات المنتشرة في محيط منطقة الـ 55كم الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الأمريكي والفصائل الإرهابية» وهي الفرقة الأولى والفرقة 18 والثالثة إضافة إلى الفرع 221 (فرع البادية) في تدمر والتابع إلى شعبة المخابرات العسكرية. وطالبت البرقية من المعنيين أعلاه «اتخاذ كافة التدابير للحراسة المشددة في كافة الأوقات على الحواجز ونقاط الانتشار ومنع دخول أي مركبات أو عربات تحمل مواد غذائية أو طبية بما في ذلك أعلاف الحيوانات لأي سبب كان» وأمرت القادة بـ«التقيد التام بتطبيق قواعد الاشتباك ضد أي محاولات تسلل من منطقة الـ 55كم وذلك بالتنسيق الدائم مع الصديق الروسي، الموجود في منطقة ظاظا» وهي القاعدة الروسية الموجودة خارج منطقة الـ 55 والتي تقوم بالتنسيق مع قوات «التحالف الدولي لمحاربة داعش» والقاعدة الأمريكية في التنف. وشددت البرقية على طلب رئيس الأركان من كافة القادة «التقيد بما ورد بهذه البرقية تحت طائلة المسائلة القانونية».
وشاركت «القدس العربي» الوثيقة مع عدد من الخبراء القانونيين السوريين لاستطلاع رأيهم بها، حيث اعتبر كبير المفاوضين السابق في وفد المعارضة إلى مباحثات جنيف، المحامي محمد صبرة أن «في حال صحة الوثيقة فهي تمثل اعترافا بارتكاب النظام لجريمة حرب تتمثل في فرض الحصار الاقتصادي ومنع الغذاء والدواء عن منطقة يسكنها مدنيون، ورغم أن النظام عمل خلال الثلاث عشرة سنة الماضية على استخدام التجويع والحصار ضد السوريين إلا أنه من النادر أن تخرج وثيقة تمثل هذه السياسة إلى العلن، حيث كان النظام ينكر وبشكل متكرر إتباعه هذا النهج».
هذا وتجرم اتفاقية جنيف لعام 1949 وميثاق روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية حصار وتجويع المدنيين، ويحظر القانون الدولي الإنساني تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، ولا يجوز للطرف الذي يفرض الحصار أن يعمد إلى حرمان المدنيين من الإمدادات الأساسية لبقائهم على قيد الحياة (مثل الغذاء والمياه والإمدادات الطبية) في منطقة محاصرة، وأن يتخذ ذلك وسيلة مشروعة لإخضاع عدوه.
وأشار المتخصص في القانون الدولي الدكتور وسام الدين العكلة في اتصال مع «القدس العربي» إلى أن النظام السوري دأب منذ عام 2011 على «اتباع سياسة التجويع وحصار المناطق المأهولة بالسكان كسلاح حرب على الرغم من كل المطالبات الأممية والدولية». وشدد على أن التجويع المتعمد للمدنيين «يعتبر جريمة حرب، وإذا كان فعل التجويع جزءًا من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، فقد يشكل جريمة ضد الإنسانية بموجب المحكمة الجنائية الدولية لما له من عواقب إنسانية وخيمة، مثل سوء التغذية والموت».
وأضاف العكلة أنه «في حال صحة الوثيقة المرفقة، يمكن أن تشكل دليلاً إضافياً على انتهاك النظام السوري للالتزامات والاتفاقيات الدولية، وبالتالي يمكن أن تساهم بدعم السياقات القضائية مستقبلاً لمحاسبة الأفراد، بما في ذلك من القادة العسكريين والمدنيين المسؤولين عن إصدار مثل هذه القرارات وتنفيذها».
وفي الإطار، اتهم منسق تجمع «مصير» الفلسطيني السوري، المحامي أيمن أبو هاشم النظام بمحاولة «فرض واقع إنساني مأساوي من خلال الحصار الخانق ومنع إدخال المساعدات ووضع أهالي المخيم في ظروف قاهرة» ولفت في حديث مع «القدس العربي» إلى تورط الجانب الروسي، وأشار إلى أن «هذه الإجراءات تهدف إلى الضغط على التحالف الدولي من أجل إجباره على نقل هؤلاء العالقين في المخيم الصحراوي إلى مناطق أخرى».
على صعيد آخر، أطلقت قوات النظام السوري مدعومة بغطاء جوي روسي، الخميس 7 حزيران (يونيو) ما أسمته حملة تمشيط وتطهير البادية السورية من خلايا وفلول تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وتشارك في عملية التمشيط «الفرقة 25 مهام خاصة» والمعروفة سابقًا بقوات النمر، و«الفرقة 11» و«الفرقة 18» بالإضافة لميليشيا «لواء القدس» وتشكيلات عسكرية من الحرس الجمهوري، وتعتبر الحملة الأكبر والأضخم منذ معركة الباغوز التي أنهت سيطرة تنظيم «الدولة» على محافظة دير الزور في 2019.
وحسب مصادر محلية فإن قوات النظام كانت قد أوقفت عملياتها العسكرية ضد تنظيم «الدولة» في البادية السورية مطلع الشهر الجاري، إلا ان ارتفاع وتيرة هجمات خلايا التنظيم ضد قوات النظام والميليشيا المساندة لها، دفع بقوات النظام لتعزيز وحشد عدد أكبر من التشكيلات العسكرية واستقدام أفواج «الطراميح وطه والرحال والظريف» التابعة للفرقة «25 مهام خاصة» لتنطلق حملة التمشيط، صباح الخميس 7 حزيران (يونيو). ورصدت «القدس العربي» بدء حملة التمشيط من ثمانية محاور من بادية الرصافة في محافظة الرقة والشيخ هلال بريف حلب، وأثريا بريف محافظة حماة.
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الدفاع الروسية على لسان نائب المركز الروسي للمصالحة في سوريا، الجنرال يوري بوبوف، أن القوات الروسية بالتشارك مع قوات النظام السوري تجري عمليات استطلاع مشتركة في المناطق الجبلية الوعرة في محافظات دير الزور والرقة وحمص، كما جاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية يوم الجمعة 8 حزيران (يونيو) أن «طيارين روساً وسوريين أجروا دوريات جوية في الأجزاء الشرقية والجنوبية من سوريا، وشنوا غارات جوية على أهداف في إحدى مناطق التدريب في البادية السورية».
في المقابل، ارتفعت وتيرة هجمات عناصر خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» ضد قوات النظام والميليشيا المساندة لها، وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل أكثر من 46 شخصا غالبيتهم من قوات النظام و«لواء القدس» المدعوم روسيًا، وقال مدير المرصد، رامي عبد الرحمن حسب ما أورده الموقع الرسمي للمرصد السوري لحقوق الإنسان، إن «التصعيد من قبل خلايا تنظيم داعش، ارتفعت وتيرته خلال الأيام الثمانية الماضية، حيث نفذ 11 عملية أدت إلى مقتل أكثر من 46 عنصرا من قوات النظام والميليشيا المساندة لها» ولفت عبد الرحمن إلى أن أكثر عملية «دموية» كانت الأربعاء الفائت حيث أسفرت عن مقتل 21 عنصرا وضابطا من قوات النظام، في ثلاث عمليات منفصلة في البادية السورية، وفي منطقة كويرس حيث تنتشر خلايا التنظيم. وكانت مصادر إعلامية موالية قد نعت الخميس الفائت 55 بين عنصر وضابط قيادي، بعد استدراجهم لكمين وحقل ألغام في بادية تدمر، شرقي محافظة حمص، ومن بينهم العميد عبد الرحمن حورية، والعقيد ماجد يوسف موسى والنقيب علي خضور، والملازم حيدر رزق.
بدوره علق قائد «الفرقة 25مهام خاصة» المدعومة من روسيا، اللواء صالح العبد الله على العمليات العسكرية في البادية، باتهام قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة التنف بتقديم تسهيلات لعناصر خلايا التنظيم، وقال عبد الله «إن هدف العملية العسكرية المشتركة لقواته مع القوات الروسية، منع العدو الأمريكي من تنفيذ عمليات وهجمات في البادية السورية، من خلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وكانت قوات النظام قد صرحت مع انطلاق حملتها الأخيرة في البادية، عن هدفها بإغلاق ممرات يتسلل من خلالها عناصر تنظيم «الدولة» من التنف، ومنطقة الـ 55 كم، حيث يتلقى الدعم اللوجستي من قوات التحالف، إلى نقاط تمركز قوات النظام في بادية حمص الشرقية، حيث يكثف التنظيم من عملياته فيها.
بموازاة ذلك، وتزامنًا مع حملة التمشيط التي تنفذها قوات النظام والقوات الروسية، وصلت الدفعة الأولى من المساعدات الإنسانية لنازحي ومهجري «مخيم الركبان» الواقع في منطقة الـ 55 كم، وبالقرب من قاعدة التنف العسكرية الأمريكية، على مثلث الحدود السورية- العراقية- الأردنية، والمحاصر من قبل قوات النظام والميليشيا الإيرانية لأكثر من 65 يوما.
وكانت المنظمة السورية للطوارئ قد أعلنت قبل أسبوع عن وصول الدفعة الإغاثية عبر طائرات شحن عسكرية تابعة للقوات الأمريكية في قاعدة التنف، بعد اجتماع جرى بين القوات الأمريكية وممثلين عن المنظمة السورية للطوارئ، حيث اتفق الطرفان على تسليم الشحنة الأولية من المساعدات الإنسانية في منطقة السرية، ليتولى بعدها كادر المنظمة توزيعها على قاطني المخيم.
وحسب مصادر محلية، فقد سمحت قوات النظام بتاريخ 2 من الشهر الجاري بدخول سيارة محملة بالمواد الغذائية للمخيم، إلا أن السيارة المحملة بـ 18 طنا من المواد الغذائية كانت مكلفة لنازحي المخيم، حيث فرضت حواجز قوات النظام 7 آلاف ليرة سورية على كل كيلو غرام من الفواكه، كما أرغم الراغبين بشراء مادتي الزيت والسكر من سكان المخيم على دفع قيمة 40 في المئة من فاتورة هاتين المادتين، ما أعجز سكان مخيم الركبان عن شراء المواد الغذائية، حيث بلغ ثمن كيلو غرام الخضار ما يقارب 20 ألف ليرة سورية، وعبوة الزيت 140 ألف ليرة سورية.