في هذه الجلسة بدا الطبيب علاء موسى متعبا بعد أن كشف عن وجهه، وركز القاضي أسئلته حول الفترة التي انتقل بها من مشفى حمص العسكري في شهر تشرين الثاني من عام 2011 إلى دمشق وتحديداً إلى مشفى المزة العسكري وعن عمله هناك. موسى قال:" في شهر آب من عام 2011 أصبت بفتق واضطررت لعمل جراحي والالتزام في المنزل لمدة ست أسابيع وعندما عدت كان كل شيءٍ قد اختلف في المشفى، شاهدت الكثير من الجرحى والإصابات. وأما بالنسبة لطواقم العمل، فكانت تعمل بشكل أكبر وتحت ضغط كبير". واصفًا الوضع" بالفوضى الكبيرة".
ووصف الأوضاع الاجتماعية والسياسية في مدينة حمص بأنها كانت خطيرة للغاية، وأكد أنها لم تعد تُحتَمَل وأصبح يشعر بالخوف أكثر فأكثر. وأكد أن هذا الشعور لم يكن خاص به وحده بل وكانت عائلته تشاركه به، فكان والده يفكر أيضاً بالانتقال والعيش في العاصمة السورية دمشق والعمل هناك كخبير للضرائب. وأضاف بأن أصدقاءه الأطباء الذين يعملون في دمشق قالوا له ان العمل داخل المشافي في دمشق أفضل بكثير، فالمشافي مجهزة بشكل جيد وحتى أوقات العمل مقبولة جداً.
وردا على سؤال القاضي:" كيف له أن يقوم بمعالجة المرضى وهم معصوبي الأعين في مشفى حمص العسكري، وكيف يقوم بضرب وتعذيب المرضى بأدوات طبية حسب شهادة أحد المدعين. فأجاب موسى: "لم أقم بضرب أحد، ولا حتى بأدوات طبية، كيف لي أن أفعل ذلك وأنا أعلم بأنه يتوجب عليّ قبل الانتقال من المشفى أو إلغاء عقدي بأن أقدم براءة ذمة وإثبات بأنني لم أقم بإتلاف أي جهاز أو أداة طبية كُنتُ أقوم باستخدامها أثناء عملي في المشفى"!
انتقل موسى بعدها بالحديث عن عمله في مشفى المزة العسكري بعد نقله من حمس فقال:" بعد أن انتقلت إلى دمشق، وبدأت العمل في المشفى (601) بتاريخ 27.11.2011 في قسم العيادة العظمية والجراحة العظمية، وكان مشفى المزة العسكري أكبر بكثير من مشفى حمص العسكري كنا نحصل على رواتبنا باليد".
وتوجه القاضي للمتهم بسؤال عن الأطباء الذين كانوا يعملون في مشفى المزة العسكري، إذا ما كانوا أطباء مدنيين أم عسكريين أو أطباء تعود تبعيتهم للمخابرات العسكرية. فأجاب المتهم بأنه لم يكن هناك أطباء تعود تبعيتهم للمخابرات العسكرية، ولكن كان هناك عناصر تابعين للمخابرات العسكرية في المشفى يقومون بإحضار المرضى المعتقلين إلى المشفى. وأكد القاضي على أقوال المتهم قائلاً: لقد كان هناك مرضى معتقلين في المشفى؟ فأجاب المتهم: نعم كان هناك مرضى معتقلين في المشفى. واستكمل القاضي سؤاله: كم كان حجم الغرفة التي كان يتم احتجاز المرضى المعتقلين بها؟ فأجاب: غرفة السجن في مشفى المزة العسكري مختلفة تماماً عن غرفة السجن في مشفى حمص العسكري، في قسمنا العظمية [في مشفى المزة العسكري] كان هناك غرفة احتجاز يوجد بها ستة أسِرّة، وكان المرضى دائماً مقيدين وعيونهم معصوبة. وأضاف المتهم: كان هناك أيضاً مكانٌ آخر يتم احتجاز المرضى المعتقلين به في مشفى المزة العسكري، ويقع في البناء القديم وهو غرفة كبيرة بحجم غرفتين من غرف المرضى العادية في المشفى. وأكد أنه كان في تلك الغرفة لمرة واحدة فقط، وكان هناك فيها ما يقارب 15 مريضا معتقلا. وفي سؤال القاضي له عن إذا ما كان هناك ما يكفي من أدوات طبية وأدوية لعلاج هؤلاء المرضى، أجاب قائلاً: نعم كان هناك ما يكفي من الأدوية والأدوات الطبية لعلاج هؤلاء المرضى وكانت بحالة جيدة.
ولدى سؤال القاضي للمتهم عن أنواع الإصابات التي كان المرضى المعتقلين قد أَصيبوا بها، قال المتهم بأنها كانت إصابات مختلفة بين شخصٍ وآخر، فبعضهم كان مصاباً بعيارات نارية والبعض الآخر كدمات. وبين أن الكدمات التي رآها كانت في مناطق مختلفة في الجسم، فكانت على الأرجل والبطون والبعض على صدورهم.
وسأله القاضي مباشرة عن إذا ما رأى أي عمليات تعذيب بحق المرضى المعتقلين داخل مشفى المزة العسكري، فأجاب المتهم: في بعض الأيام كان يتم وضعي حسب جدول دوام المشفى في قسم الإسعاف (الطوارئ)، وكنت أشاهد عناصر تابعين للمخابرات يقومون بركل المرضى بالأرجل وضربهم بالأيدي، ولكن لم أر ولا مرة أي عنصر من عناصر المخابرات كان يستخدم أدوات للضرب.
وأكد المتهم (علاء م.) في حديثه حصول تعذيب للمرضى المعتقلين، وأنه كان يتم تعذيبهم من قبل طاقم التمريض الذي يعمل في المشفى، ومن قبل عمال النظافة في المشفى، ولكنه لم يسمع ولم ير ولا لمرة أنّ أحداً من طاقم الأطباء قد قام بتعذيب أو وضرب أي مريض. وذكر أنه كان لديهم خوف كبير من أن يقوموا بالتحدث بين بعضهم البعض عن هذه الأمور، لأنها كانت من المحرمات حسب وصفه. وكان الخوف الأكبر من المخبرين المنتشرين في المشفى، والذين كانوا يقومون بإيصال كل معلومة مهما كانت إلى المخابرات العسكرية التي تراقب الأطباء المدنيين الذين يعملون في مشفى المزة العسكري.
وسأل القاضي المتهم مرة أخرى عن إذا ما كان يتم تقييد المرضى المعتقلين أثناء العلاج، وعن إغماض أعينهم، فأجابه: نعم، واستطرد في حديثه قائلاً: في إحدى المرات ذهبنا مع رئيس الأطباء لزيارة أحد المرضى المعتقلين، وكنا هناك لمناقشة وضع المريض، ومن أجل مناقشة النتائج التي أظهرتها صورة الأشعة السينية، وبينما نحن نتحدث إلى جانب المريض المعتقل اشتكى من ألم في عينه، فطلب رئيس الأطباء منا أن نقوم برفع عصبة العين و لنغيرها، وكان في ذلك الوقت يقف عنصر حارس تابع للمخابرات العسكرية في الغرفة معنا فصرخ بوجه رئيس الأطباء و قال له : هل أنت اختصاصي عظام أو اختصاصي عيون؟ في تلك الأثناء لم يستطع رئيس الأطباء التحدث والرد، وقال لنا لاحقاً: هل رأيتهم كيف تصرف هذا الحارس، أنا طبيب وأعلى رتبةُ منه في الجيش إلّا أنه يتوجب عليّ أن أتبع تعليماته!
وأكد المتهم بأنه كانت تصدر أصوات صراخ وتعذيب من غرفة السجن التي كانت تًحرس من قبل عناصر المخابرات العسكرية، وكانت هناك أصوات صراخ تصدر في غرف الإسعاف (الطوارئ).
وسأل القاضي الثاني المتهم عن عدد المرات التي كان يتواجد بها داخل غرفة السجن التي كانت تصدر منها تلك الصرخات، فأجاب بأنه لم يكن هناك عدد محدد للدخول إلى تلك الغرفة، ولم يكن يسمح لنا الدخول إليها بدون تواجد رئيس القسم أو رئيس الأطباء، وكان يتم بشكل عشوائي اختيار الطبيب المرافق لرئيس الأطباء، ولم يكن هناك أوقات أو أيام محددة لدخولها. وعن بقاء المرضى داخل المشفى أو خروجهم من المشفى أكد أنه لم يكن يعلم عن هذه القصة أي شيء، وبرر ذلك أنه في بعض الأحيان كان الأطباء يعطون الضوء الأخضر لخروج المعتقل المريض بعد الانتهاء من علاجه، ولكن المتهم كان يتفاجأ أنه بقي لأيامٍ أخرى، وفي حالات أخرى كان البعض يختفي مباشرة من المشفى بعد ان يخرج من غرفة العمليات.
وتوجه القاضي للمتهم بادعاء أحد الشهود أنه في مشفى حمص العسكري، وفي شهر آذار من عام 2012، قام المتهم بالاعتداء علي الشاهد وتعذيبه باستخدام أدوات طبية. إلّا أن المتهم قام بنفي هذه التهمة عنه، وادعى "أنه منذ أواخر تشرين الثاني من العام 2011 لم يعد أبداً إلى حمص، أو إلى العمل في مشفى حمص العسكري، وأن الادعاء عليه بأنه كان يستخدم الأجهزة والأدوات الطبية لتعذيب الناس ادعاءٌ باطل"
بعدها طلب القاضي من المتهم (علاء م.) التقدم بشرح عن اصابته بعيار ناري فقال: حدث ذلك في يوم أربعاء، وقد أطلقت عليه اسم الأربعاء الأسود، ولن أنسى ذلك أبداً، حدث ذلك تقريباً في الساعة الثالثة والنصف عصراً، كنت في جرمانا وأنوي الذهاب للتسوق وتمضية بعض الوقت، سمعت مباشرةً صوت إطلاق رصاص، مباشرة ركضت ووقفت عند زاوية، وبعد ذلك شعرت بأن هناك شيئاً حاراً يجتاح ساقي، ولم يكن لدي القدرة على التحمل فوقعت على الأرض، وبعدها جاء شخص كبير في السن ساعدني على الاختباء، وعلمت أنه تم إصابتي بعيار ناري. في تلك اللحظة لم أستطع معالجة نفسي، لم أكن أعلم ماذا أفعل، الرجل الكبير في العمر كان سائق تكسي وقام بنقلي بسيارته إلى مشفى المزة العسكري. وفي الطريق تحدثنا قليلاً، وقال لي بأنهم مجموعة مسلحة يقومون بذلك بين الحين والآخر. أوصلني الرجل إلى المشفى، وقاموا بإجراء الاختبارات الأولية من إيقاف نزيف وصورة أشعة سينية، كانت الإصابة في ساقي اليسرى، كانت تعد إصابة طفيفة لم تكن إصابة بالغة الخطورة. قام بعدها بزيارتي شخصين ادعوا انهم من الامن الجنائي، ولكن كنت على يقين أنهم يتبعون للمخابرات العسكرية، وكانوا يسألونني عن الحادث وعن ماذا جرى وإذا ما كنت أستطيع التعرف على المجموعة.
وأكمل المتهم بالقول: في صيف عام 2012 أصبح الوضع في دمشق خطير على غرار الوضع في حمص والكثير من المدن السورية، عندها طلبت من رئيس الأطباء نقلي إلى طرطوس واستخدمت حجة الإصابة والاضطرابات التي حصلت معي بعد الإصابة، وقلت له أنني لم أعد أستطيع العيش في دمشق لخطورة الوضع، وأنني سوف أفقد عقلي إذا ما بقيت هنا، لقد كنت خائفاً، وبالفعل تم قبول نقلي في منتصف الشهر الأول من عام 2013 وبدأت العمل في طرطوس بتاريخ 03.02.2013.
بعدها أراد القاضي تلاوة تهمة جديدة على المتهم (علاء م.) إلّا أن محامي الدفاع طلب رفع الجلسة وتأجيل تلاوة التهمة إلى الجلسة القادمة، وبالفعل استجاب القاضي للطلب وأنهى الجلسة. مع العلم أن الجلسة القادمة سوف تكون بتاريخ 03.02.2022.