نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا قال فيه إن الدول العربية بدأت تدريجيا بإعادة العلاقات مع سورية لكن رئيسها بشار الأسد لا يزال وسط أزمات لا يمكنه الهروب منها. وقال إن الاسابيع الماضية كانت جيدة للأسد الذي قضى العقد الماضي في حرب مع المعارضة المسلحة ومرفوضا من المجتمع الدولي وراقب الحرب الأهلية وهي تفكك اقتصاد بلده.
فمن ناحية، ناشد مسؤولون لبنانيون بارزون الأسد للمساعدة في حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي المزمن. والتقى وزير اقتصاده مع نظيره الإماراتي في معرض إكسبو بدبي. ودعمت الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات عليه وعلى المرتبطين به عقوبات مشددة، خطةً لإحياء خط الغاز العربي وتحدث عبر الهاتف مع الملك الأردني، عبد الله الثاني لأول مرة منذ 10 أعوام.
لكن سوريا لا تزال محطمة وتعاني من الفقر وملايين اللاجئين في دول الجوار والخائفين من العودة لوطنهم، وهناك مساحات واسعة من البلاد لا تزال خارج سيطرة الحكومة. وفي عموم الشرق الأوسط، هناك حس أن الأسد المعروف باستخدام الغاز ضد شعبه ورمي البراميل المتفجرة على المدن والبلدات قد خرج من عزلته بشكل يعكس حساً من التسليم بأنه نجا من الحرب.
ولأن القتال قد توقف، فقد أصبح التفكير كالآتي: ما دام الأسد في مكانه، فمن الأحرى أن تعيد سورية التواصل مع جيرانها ولكن القضية الرئيسية هي أن الكثير من السوريين لا يعرفون بعد 10 أعوام من الحرب إن كان بلدهم سيعاد ربطه وتوحيده كما كان قبل الحرب، وإن كانت هناك فكرة واضحة لإعادة بناء الدولة.
واعتمد الأسد بشكل كبير على روسيا وإيران لمواجهة المتمردين، ويحاول البلدان الآن الحصول على فرص استثمارية مفيدة لهما في داخل الاقتصاد السوري. وهذا ضعيف جدا لدرجة أن أصحاب المحلات والمصالح يغلقون أعمالهم. وقال صاحب شركة أيس كريم إنه سيغلق شركة العائلة التي أنشئت قبل 50 عاما وسينتقل إلى مصر. وقبل فترة جاءت مصلحة الضريبة وشركة الكهرباء ودائرة حماية المستهلك تطلب منه رشاوى، مهددةً أنها ستغلق محله بذريعة ارتكابه جريمة وهمية. وقال إن عائلات نقلت شركاتها ومعها الوظائف التي يحتاجها الاقتصاد إلى تركيا ومصر والعراق ودول الخليج. وقال الرجل: “الحكومة السورية لا مال لديها، وتريد جمع رواتب موظفيها وجنودها وميليشياتها من التجار وأصحاب المصانع”.
ولكن تحرك الجيران لإعادة التواصل مع الأسد يعكس تآكل المشاعر المتعلقة بضرورة عزله، في وقت تعاني المنطقة من مشاكل عدة. وسينقل خط الأنابيب الذي دعمته الولايات المتحدة، الغاز المصري عبر الأراضي السورية إلى لبنان الذي أدى انهياره لانقطاع التيار الكهربائي.
ورغم العقوبات الأمريكية على الحكومة السورية، إلا أن واحدا من أسباب دعم الحكومة الأمريكية لها هو التنافس مع حزب الله الذي أحضر الوقود من إيران التي فرضت عليها واشنطن العقوبات. ومن جانبه يسعى الأردن لإنعاش اقتصاده، حيث فتح المعبر الحدودي مع سوريا للتجارة، واستقبل قبل فترة وزير الدفاع السوري للتباحث في الشؤون الأمنية.
وتحدث الملك عبد الله الذي دعا الأسد للتنحي عن السلطة عام 2011 معه الأسبوع الماضي وناقشا العلاقات “الأخوية وتعزيز التعاون بين البلدين”. وتخلت دول الخليج مثل السعودية والإمارات التي دعمت جماعات المعارضة المسلحة في بداية الحرب عن معارضتها للأسد، وتحاول الحصول على فرص استثمارية، ولكن المال لم يصل بسبب العقوبات الأمريكية.
ولم تتخذ إدارة جو بايدن موقفا متشددا من النظام السوري مثل الموقف الذي اتخذته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها حاولت ثني شركائها العرب عن تطبيع العلاقات مع الأسد. وفي مقابلة، قال أحد المسؤولين البارزين في إدارة بايدن، إنه من الواضح أن الأسد قد نجا وأن العقوبات لم تحقق إلا نتائج قليلة، ولهذا قررت الإدارة التركيز على موضوعات أخرى، مثل مواجهة فيروس كورونا وتخفيف المصاعب الاقتصادية في المنطقة والحد من التأثير الإيراني.
وأضاف المسؤول الذي امتنع عن ذكر اسمه، أن الإدارة الأمريكية تريد تجنب عقوبات جديدة جراء صفقة الغاز التي تناقش تفاصيلها وألا ينتفع منها الأسد إلا بالقدر القليل. وأخبرت الإدارة أصدقاءها بعد إخراج الأسد من الشرك بالكامل. وأضاف المسؤول: “نخبر وبشكل متكرر الإمارات والسعودية: لا تسارعوا لبناء مراكز تسوق، ولا ترفعوا الحظر عن أرصدة الأسد، لا تسمحوا للحكومة السورية بالحصول على موارد مقابل إعادة بناء أو إعمار”. ولكنها تسمح بمرونة في موضوعات أخرى مثل الكهرباء في لبنان ونوع منه في سوريا على أمل تقديم “سياسة إنسانية عقلانية” كما يقول.