كثيرة هي الروايات والكتب التي تحدثت عن الثورة السورية بانتصاراتها وانكساراتها، وما رافقها من أحداث القتل والقصف والتهجير، ولكن الرواية التي بين أيدينا اليوم تختلف عن تلك الروايات في كونها تُسلِّط الضوء على فترة بالغة الحساسية بالنسبة للساحة السورية بشكل خاص والإقليمية بشكل عام، هي الفترة التي شهدت الإرهاصات الأولى للثورة السورية، والتي تمتد من عام 2000 حتى عام 2010.
يتناول الكاتب إبراهيم كوكي في روايته ثلاث أحداث مهمة في تلك الفترة هي : اغتيال الحريري، أحداث مخيم نهر البارد في لبنان، واستعصاء سجن صيد نايا في سوريا عام 2008، ويؤكد الكاتب أن هذه الأحداث ومضاعفاتها كان لها الأثر الأكبر في قتل وشيطنة الثورة السورية، إذ نلاحظ أن طريقة النظام في قمع الثورة واختراق صفوف الثوار، والسعي إلى "أسلمة الثورة" هي نفسها الطريقة التي تعامل معها في إنهاء استعصاء سجن صيدنايا، وبرأي كان الملف الأعقد والأخطر الذي تناولته الرواية هو ملف “الجهاديين”، فالمؤلف يبين لنا من خلال الحوارات التي كانت تدور بين السجناء في سجن صيدنايا كيف يتم إعداد هؤلاء الجهاديين وتصنيعهم في سجون النظام وأفرعته الأمنية؛ ليتحولوا فيما بعد (بعلم أو بغباء) إلى أدوات يستخدمها النظام لتحقيق أهدافه وأجندته خارج سوريا، كما حصل في غزو العراق ومخيم نهر البارد في لبنان، وداخل سوريا من خلال استخدامهم في تشويه الثورة السورية وحرف مسارها.
ولأن الكاتب “إبراهيم كوكي” ابن بيئة دمشقية، ومن عائلة عريقة كان لها دور في العمل الدعوي والمسجدي في دمشق وريفها، وقد عايش عن قرب أغلب هذه الأحداث، كل هذا يعطي قدراً كبيراً من المصداقية للأسرار والخفايا التي يكشفها الكاتب في روايته.
الرواية لا تقتصر على سرد الأحداث السياسية وتعقيداتها وكشف أسرارها، إذ نجد الكاتب يُضمِّن هذه الأحداث بعض القصص الغرامية، في بيئات مختلفة من سوريا، والتي تأثرت بتلك الأحداث أيضاً، وهذا ما سنجده في قصة (حيدر ونهلة في منطقة الساحل)، وقصة (سامر ومؤمنة في البيئة الدمشقية).
ما يميز هذه الرواية هو اللغة البسيطة السهلة البعيدة عن التكلُّف، والتي تحتوي في بعض الأحيان على بعض الكلمات العامية، وكأن الكاتب تعمَّدها لتقريب الصورة قدر المستطاع ليعيش القارئ الحدث كما هو، وإلى جانب سهولة اللغة يشعر القارئ أيضاً بخيط دقيق يربط بين كل تلك الأحداث الكثيرة التي تتحدث عنها الرواية. والتي تكشف لنا أيضاً كيف كان النظام يُسير شريحة كبيرة من المجتمع، ويجعلها تتعاطف بشكل كبير مع بعض الأحداث (مسرحية حرب تموز مثلاً)، وهذا أمر طبيعي نتيجة سياسة الإعلام المُوجَّه، والتعتيم المُمنهج، التي دأب النظام على استخدامها منذ تأسيسه.
بالنهاية نقول إننا لن نستطيع اختصار الرواية التي تجاوزت الألف صفحة في هذه الكلمات، ولكن لابد من القول إن الكاتب استطاع ببراعته أن يحول الرواية إلى وثيقة تاريخية، كُتبت بأسلوب أدبي سهل وشيق يفهم الجميع.