نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريرا قالت فيه إن مرتزقة بوتين نقلوا حربه مع الغرب إلى إفريقيا. وأشار إلى أن المرتزقة التابعين لشركة فاغنر قاموا بعمليات اختطاف ونهب وقتل، وفي عين السكان المحليين لم يعودوا محل ترحيب. وقال إن قرية تيمبولو في جمهورية إفريقيا الوسطى شهدت يوم الثلاثاء غرباء قاموا بسرقة الأبقار وحملوها في شاحنات ومضوا فيها. ولم يكن الدخلاء هؤلاء من الأشخاص الذين يغيرون عادة على الماشية وينهبون البيوت بل من مرتزقة فاغنر الذين روعوا سكان جمهورية إفريقيا الوسطى في الأشهر الأخيرة.
عمليات قتل وترهيب وسرقات
وكانت عملية نهب الماشية التي ذكرتها الصحافة المحلية آخر مثال عن ممارسات المرتزقة الروس، ففي يوم الخميس اتهم فريق خبراء الأمم المتحدة “المستشارين” الروس الذين استعانت بهم حكومة أفقر دولة في العالم لتحقيق الاستقرار بعمل العكس: العربدة والإفساد والقتل والنهب. وكشف تقرير الخبراء عن عمليات إعدام فوري وتغييب قسري، مؤكدا ما ورد بداية العام في تقرير من المنظمة الدولية نفسها أصدرته مجموعة العمل عن المرتزقة. وقالت سورتشا ماكلويد، أستاذة القانون وعضو فريق التحقيق “ما شاهدناه هو دليل واضح على تورط الروس في القتل خارج القانون واعتقال أشخاص وتعذيبهم واستهداف بدون تمييز للمدنيين” مضيفة “يقومون بنهب ممنهج لكل بلدة وقرية يذهبون إليها”. ومضت قائلة: “يقول الروس إنهم غير مسلحين ولدينا أدلة عن مشاركتهم المباشرة في الأعمال العدائية وارتكابهم بشكل محتمل جرائم حرب”. والرد معروف من الكرملين في كل مرة يتهم فيها الروس بالتدخل في الانتخابات الأجنبية أو تسميم المعارضين السياسيين، وقال المتحدث باسم الكرملين: “لا يستطيع المستشارون العسكريون الروس المشاركة ولم يشاركوا في القتل أو النهب” و”هذه كذبة جديدة”.
تقرير الأمم المتحدة
ويقول خبراء المنطقة إن لديهم أدلة تؤكد عكس ما يزعمه الكرملين. ففي تقرير من 184 صفحة وصف خبراء الأمم المتحدة التورط الروسي المتزايد في إفريقيا ضمن محاولات استعراض التأثير من خلال نشر المرتزقة الذين يعمل معظمهم مع شركة فاغنر التي يديرها يفغيني بريغوجين، الملياردير وحليف الرئيس فلاديمير بوتين. ويعرف بريغوجين بطاهي بوتين لحصوله على عقود توفير وجبات جاهزة إلى الكرملين واتهمته الولايات المتحدة بالتورط في حرب المعلومات لإرباك انتخابات عام 2016. ودور المرتزقة التابعين له هو مثال آخر عن الطريقة التي يقوم فيها بوتين بتحويل المهام الحساسة لجهات خاصة. ونشر المرتزقة في عدد من مناطق العالم من فنزويلا إلى سوريا حيث قتل منهم المئات في معركة مع القوات الأمريكية. وانتقلوا الآن إلى الدول الأفريقية التي مزقتها النزاعات مما حولها إلى نقطة مواجهة روسية مع الغرب. وقال سيث جونز، من المركز للدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن “قمنا بإحصاء 26 دولة ومعظمها أفريقية تم نشر فيها المرتزقة الروس”.
تأمين مناجم الذهب والألماس
وعندما طلبت جمهورية إفريقيا الوسطى الغنية بالمعادن الثمينة المساعدة من روسيا في السيطرة على الحرب الأهلية طلب الكرملين على ما يبدو من فاغنر تأمين مناجم الذهب والماس. وأقام بريغوجين علاقات مع عدد من الشركات اللوجيستية والأمنية التي أنشئت في البلد منذ 2017 وزاد عدد “المرشدين” الروس الذي أرسلوا لدعم الرئيس فوستين أرشانج تواديرا لمواجهة المتمردين المسلمين ووصل إلى 2.000 مرتزق اليوم، وذلك حسب تقدير تقرير الأمم المتحدة.
حملة ضد فرنسا، وبروباغندا روسية
وتزامن وصول المرتزقة مع حملة مضادة لفرنسا عبر منصات التواصل الاجتماعي وولادة أول محطة إذاعية تركز على الدور الروسي في البلد. كما وظهرت صفحات مؤيدة للروس على فيسبوك ويافطات أظهرت جنودا محليين تحت العلم الروسي في العاصمة بانغي. ودعمت واحدة من الشركات التابعة لبريغوجين فريق كرة قدم محليا ومولت مسابقة ملكة جمال إفريقيا الوسطى. ولعل أهم جزء في الدعاية الروسية هو الفيلم الذي صور بطولة “المرشدين” الروس في البلد. وتم ترجمته إلى لغة سانغو المحلية وعرض فيلم “السائح” في ملعب حاشد بمدينة بانغي قي أيار/مايو، وقبل أيام من عرضه على التلفزيون الروسي. ويصور حفنة من الجنود الروس الأشداء في معركة مع عصابة لصوص خرجوا من الغابات على دراجتهم النارية لقتل المدنيين ونهب القرى.
ولكن الواقع غير ذلك فمحاولات كسب القلوب والعقول لم تكن ناجحة حيث طالبت المعارضة في البلد بطرد “رجال فاغنر” كما يعرفون. ومن غير المحتمل حدوث هذا، فالروس يحكمون على ما يبدو قصر “النهضة” الرئاسي الذي عاش فيه “الإمبراطور” جون بيدل بوكاسا حتى أطيح به في 1979. وتم تعيين رئيس الاستخبارات السابق فالري زخارف مدير أمن الرئيس ومنح مكتبا في المبنى الحديث بالقصر. ومعظم حرس الرئيس هم من المرتزقة الروس.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تواديرا بأنه “رهينة فاغنر”، لكن قلقه من الدور الروسي ومخاوفه على إفريقيا الفرانكفونية لم يمنعه من وقف المهمة العسكرية في منطقة الساحل تاركا فراغا جديدا تستعد روسيا لملئه.
تغلغل روسي في إفريقيا
وقال بول سترونسكي، من وقفية كارنيغي “تريد روسيا الظهور بمظهر القوة الجيوسياسية الواجب التعامل معها بجدية” و”يواصل الغرب منحهم موطئ قدم. وتتطلع روسيا للفرص في الدول التي تركها الغرب ومحاولة الدخول”. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى بدا الاستقرار الذي وعدت به روسيا وهما “لم تعد جمهورية إفريقيا الوسطى مستقرة وفي الحقيقة أسوأ مما كانت عليه” كما يقول سترونسكي. وفي اتفاقية وقعتها الحكومة مع 14 جماعة مسلحة في شباط/فبراير 2019 شوهد بريغوجين أثناء الحفلة.
وفي شباط/فبراير قامت القوات الروسية وجنود الحكومة بفتح النار على مدنيين بمسجد و”لم يتم بذل الجهود للتفريق بين المدنيين والمقاتلين” حسبما ورد في التقرير. و”دخل الجنود مع المرشدين الروس البناية واستمروا بإطلاق النار في داخل المسجد” وقتل عدد من المدنيين. وقال خبراء الأمم المتحدة إنهم تأكدوا من صحة المعلومات من مسؤولين وشهود عيان وقتل المدنيين العزل في 21 شباط/فبراير بالإضافة لقتل اثنين من أصحاب الاحتياجات الخاصة وإطلاق النار على مدنيين في 8 آذار/مارس. و”اتهم الروس بنهب المال وسرقة الهواتف النقالة ليس فقط خلال خلال عمليات تفتيش بيت وعند حاجز تفتيش بل وبعد قتل المدنيين”. وجاء في التقرير أن عائلات الضحايا تخشى من تقديم شكاوى بعد اختفاء أبنائها واعتقالهم على يد الروس وقوات الحكومة خوفا من الانتقام. ويرى دبلوماسي على معرفة بالمنطقة أن الانتهاكات التي وردت في تقرير الأمم المتحدة ما هي إلا طرف كرة الثلج. وقال إن عمال الإغاثة الإنسانية المجربين “لم يروا شيئا مثل هذا، مع أنهم عملوا في كل هذه المناطق”. واشتكى صاحب محل من قطع الروس إصبعه. واشتكى جندي في الأسبوع الماضي من ضرب الروس له في خلاف على دراجة نارية.
واتهم الروس بانتهاكات في سوريا وليبيا لكن ما يجري في جمهورية إفريقيا الوسطى يجري على قاعدة أوسع كما يقول سترونسكي، مضيفا “المرتزقة الروس هم بالضرورة بلاطجة مما سيرتد سلبا على موسكو”.