في رحلته الطويلة من سوريا إلى النرويج، لم يدر بخلد طبيب الأسنان الفلسطيني الأصل أسامة شاهين والقادم من دمشق، أية فكرة حول حياته الجديدة خارج سوريا، شاهين الذي غادر سوريا إلى روسيا عام 2014 طالت مدة لجوئه أشهرا طويلة ليتمكن بعدها من مغادرة الأراضي الروسية وتقديمه اللجوء في النرويج عام 2015 ليصبح أحد أفراد الجالية السورية الصغيرة والتي ازداد عددها في الآونة الأخيرة لتصبح حوالي 35 ألفا ولتكون واحدة من أبرز الجاليات المهاجرة الواصلة إلى هذا البلد الإسكندنافي.
صعوبات اللجوء
يرى شاهين أن النرويج وإن كانت لها ميزات كثيرة من ناحية الرفاه الاجتماعي وإيجاد فرص عمل، بيد أن اللاجئين يواجهون ظروفا قاسية جدا، إذ يحرم اللاجئ من ممارسة حياته العادية، أو حقه في لم الشمل أو حرية التنقل بين الولايات حتى البت في طلبه، وهي فترة تتراوح بين 8 ـ 24 شهرا. وهي ما يسميها الكثيرون "مرحلة الجمود". وبحسب شاهين فإن هذه الفترة هي من أصعب الفترات التي يواجهها اللاجئ القادم إلى النرويج، حيث تعتبر مرحلة تغييب كامل له في حياته العامة. بعد هذه الفترة وفي حال قبول الطلب من قبل سلطات الهجرة، يدخل اللاجئ في المرحلة الثانية والمكونة من 4 فصول دراسية قابلة للتمديد، حيث يتوجب عليه دراسة اللغة، وأسلوب الحياة في النرويج، وأيضا يتاح له التدرب ضمن عدة مهن، ليسمح له بالعمل بعدها في هذه المهنة بعد انهاء مرحلة الإعداد والتأهيل
.
تحدي الذات بالقرب من المتجمد الشمالي
طبيب الأسنان الشاب وجد نفسه في مدينة بيرغن المطلة على بحر الشمال، والتي تأتي في المرتبة الثانية من حيث المساحة بعد العاصمة أوسلو، وتشتهر ببرودة طقسها. في مجتمع جديد ولغة جديدة، وعدد قليل من العرب والسوريين حوله، حيث تبلغ الجالية العربية حاليا زهاء 150 ألف شخص ينتشرون في كافة المدن النرويجية.
وبالرغم من رفض طلب لجوئه في المرة الأولى وطلب السلطات منه العودة إلى روسيا، إلا أنه لم يستسلم، وطعن في القرار وصمم على تعلم اللغة واتقانها، حيث تم قبوله في برنامج الماجستير تخصص "تنمية صحية". بيد أن عمله في المستشفيات النرويجية في فترة التدريب، واختلاطه مع اللاجئين والنرويجيين على حد سواء مكنه من فهم المجتمع النرويجي بشكل أفضل كما أنه استطاع أن يرى المشاكل والصعوبات التي يواجهها اللاجئون في النرويج لا سيما من لا يتقن اللغة أو من كبار السن. وتعمقت هذه الفجوة مع انتشار مرض كورونا، وعدم تفهم بعض اللاجئين لإجراءات الاغلاق الحكومية، ما دعاه وبمساندة عدد من أصدقائه ومتطوعين عرب ونرويجيين إلى إصدار مجلة باللغتين ا ولإتاحة الفرصة لكل منهما في فهم الآخر بلغته بصورة أفضل.
.
جسر ثقافي
أسامة أطلق مجلة باسم الدار قال فيها:،" مجلتكم التي تحمل هذا الاسم ستحاول أن تكون دارا ً يتم فيه نقاش أمور متعددة تتعلق بالثقافة ومجريات الحياة لتعزيز التواصل وتخفيف وطأة المنفى. دار مجلة يقدمها المهاجرون والسكان المحليون معا.
ويقول شاهين عن المجلة: "الفكرة واتتني عندما لاحظت وجود صعوبات كبيرة لدى المهاجرين الجدد الذين لا يتقنون اللغة النرويجية، وأيضا لدى كبار السن في فهم الإجراءات الحكومية، وتفاقمت هذه الصعوبات لديهم مع بداية جائحة كورونا، وما رافقها من إجراءات حكومية تتعلق بالإغلاق والعلاج". ويضيف "ناقشت مع أصدقاء مهاجرين ونرويجيين فكرة إصدار مجلة باللغتين العربية والنرويجية، لتكون أصدرنا العدد الأول شهر ديسمبر/كانون الأول 2020. أطلقنا موقعا الكترونيا صمما بجهود ذاتية من أصدقاء متطوعين، كما أننا جمعنا من أنفسنا بعض المال لنقوم بطباعة العدد الأول".
النجاح الكبير لهذه المجلة و رحب الكثير من النرويجيين بها، ولا سيما من قبل بعض الجامعات التي تدرس اللغة العربية بالنرويج، وبعض المؤسسات التي تدعم اللاجئين، والاحتفاء الكبير بهذا المشروع الذي يعد الأول من نوعه في النرويج، ساهم في سرعة إصدار العدد الثاني والحصول على منحة من مؤسسات ثقافية نرويجية هي FrittOrd المجلس الثقافي في النرويج لتغطية تكاليف المجلة والطباعة والنشر وذلك لمدة عام كامل، قابلة للتجديد
.
مكافحة العنصرية عبر الكلمة
موضوع العنصرية كان الموضوع الرئيسي للعدد لثاني من المجلة، فبالرغم من وجود مؤسسات داعمة للاجئين في النرويج، إلا أن عنصرية بعض الأحزاب تجاه الهجرة واللاجئين هي مشكلة كبيرة أمام اللاجئين في النرويج، كما أن التضييق على اللاجئين والمطالبة بإرجاعهم كما هو الحال في الدنمارك، يلاقي صدى كبيرا داخل المجتمع النرويجي من بعض الأحزاب التي تطالب بقوانين مماثلة.
موضوع العنصرية لاقى استحسانا كبيرا لمناقشته من قبل مهاجرين ونرويجيين، وأوضحت هيئة تحرير المجلة سبب هذه الأهمية