على أبواب السنة الحادية عشرة من النكبة السورية، تطالعنا بعض الجهات غير الرسمية، أن مجلسا عسكريا في طور الإعداد برئاسة نجل مصطفى طلاس (وزير دفاع حافظ الأسد السابق)العقيد مناف طلاس. بدأ الخبر تسريبا أقرب إلى الشائعة، ثم فاجأنا أحدهم بأنه محض بدعة اختلقها هو نفسه، وتم الترويج لها وسرت كالنار في الهشيم.
ثم جاء الفنان السوري جمال سليمان ليقول: «إنه هو من اقترح فكرة المجلس العسكري بصفته الشخصية (لأنه لم يعد ينتمي لأي منصة سياسية) في اجتماع موسكو كصيغة بديلة لجسم الحكم الانتقالي الواردة في وثيقة جنيف والتي بعد ست سنوات لم تر النور ولن تراه، والتي بدونها لا يمكن أن تكون هناك فترة انتقالية ولا يمكن تنفيذ قرار الأمم المتحدة 2254» وأنه هو من اقترح هذه الفكرة على بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي منذ أربع سنوات، «لكن الوقت يبدو أنه لم يحن بعد» لأسباب تعود للمواقف المتضاربة لدى الروس، والدول النافذة في الملف السوري، والمعارضة السورية المتناحرة.
التجمع الوطني
لكن صحيفة «القدس العربي» (الصادرة في 13/2/2021) أوردت مقابلة مطولة مع المقدم المنشق أحمد القاطري، العامل ضمن فريق مناف طلاس، أكد «أن 1400 ضابط طالبوا بتشكيل المجلس عبر عريضة تناولها الضباط» وأن «هذا المجلس يجب أن يكون جنبا إلى جنب مع مجلس سياسي يتم تشكيله بناء على قواعد وطنية، حتى الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية يحكمها القانون..، وهو ليس منصة حكم وإنما مشروع مرتبط بمشاريع متوازية في جنيف وآستانا».
«التجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولة» (تجمع تأسس في العام 2012 من موظفي الدولة المنشقين عن النظام يترأسه رئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب) في بيان له صدر مؤخرا يؤيد الخطوة في إطار احترام القرارات الدولية، وثوابت الثورة السورية.
على مبدأ» لا نار بلا دخان» نستشف من خلال هذه الإرهاصات التي من المؤكد أنها ليست محض ابتكارات خلبية، أن هناك تغيرا جذريا في المشهد السوري الجامد، وهناك حجر ثقيلة سترمى في المستنقع الراكد لتحريكه. لكن الأمور بنتائجها، ومخرجاتها، وتشكيل مثل هذا المجلس لا بد من توافق دولي من الدول النافذة في سوريا (روسيا، أمريكا، تركيا، إيران، إسرائيل) والاتحاد الأوروبي الذي سيكون شريكا فاعلا في عملية إعادة البناء في حال نجاح الحل السياسي. وبالطبع الأطراف السورية الفاعلة في سوريا.
الجيش السوري الحر
ولاشك أن هذه المبادرة، من أي جهة جاءت، ربما تتبلور الآن، رغم أنها طرحت سابقا، لأن الأجواء الجديدة قد تهيأت لها لأسباب عديدة: فشل الجيش السوري الحر في تمكين أقدامه على الأرض السورية بعد تخلي الولايات المتحدة عنه، وتوجهها نحو كرد سوريا، وقسد تحديدا (قوات سوريا الديمقراطية) ودعمها في الوقوف في وجه إرهاب تنظيم «الدولة». فشل المعارضة السياسية السورية في تشكيل جسم سياسي يمثل كل السوريين، وله وزنه في المعادلة السورية (بدأت المعارضة بتشكيل المجلس الوطني ثم الإئتلاف الوطني، ثم لجنة المفاوضات العليا) وجميعها لم تلق ترحيبا من الشعب السوري، وفشلت في التفاوض مع فريق النظام وخاصة فيما يتعلق بصياغة الدستور بعد خمس جولات فاشلة، أكد المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون أن مسؤولية الفشل تقع على نظام الأسد. تعدد المنصات السياسية السورية (الائتلاف الوطني، هيئة التنسيق، منصة موسكو، منصة القاهرة، ومجموعات مختلفة وأحزاب من كل الأطياف). التدخل الروسي ودعمه للنظام ومنع سقوطه بمواجهة المعارضة المسلحة، وقصف المدنيين في المناطق المحررة. انتشار الميليشيات الأجنبية (حزب الله، فاطميون، زينبيون، حيدريون، الحرس الثوري، فاغنر..) الداعمة للنظام. بالإضافة إلى سعي دول عربية وأجنبية وعلى رأسها إسرائيل لتعويم النظام.
وعليه فإن أمام المجلس العسكري إذا ما تم تشكيله مهام عسيرة، ومشعبة: طرد كل القوى المحتلة للأراضي السورية وهذه تعتمد بالدرجة الأولى على جاهزية الجيش الوطني «المعاد تشكيله» فرضها بالقوة إذا فشلت السياسة أو الضغوط الدولية، وخاصة إيران وميليشياتها، توحيد كل القوى السورية على الساحة وجلبها إلى ساحة التوافق الوطني، وعلى رأسها الأحزاب الكردية التي تدعو للانفصال أو الحكم الذاتي وعلى رأسها الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب الكري» القضاء على المنظمات الإرهابية وأولها تنظيم «الدولة» التي مازالت تنشط في البادية السورية.
انسحاب القوات الروسية من قواعدها العسكرية العديدة على الأرض السورية، ماعدا القاعدة البحرية في طرطوس التي تم تأجيرها لنصف قرن حسب عقد بين الحكومتين الروسية والسورية. الاتفاق مع الحكومة التركية للانسحاب من المناطق المحررة وإعطاء الضمانات بعدم إنشاء دولة كردية على حدودها التي تشير أن حزب العمال الكردستاني التركي يعمل من وراء الستار لإنشاء هذه الدولة حسب صحيفة «هيدويغ توجيبرز» البلجيكية. حل كل الميليشيات المسلحة السورية وفي مقدمتها جبهة النصرة، ومصادرة الأسحلة من كل المسلحين خارج إطار الجيش النظامي. إطلاق سراح المعتقلين، والبحث عن مصير المفقودين السوريين في سجون النظام، القبض على كل من أجرم بحق الشعب السوري وتقديمه لمحاكمات مدنية.
دعوة للعودة
الدعوة لعودة المهجرين السوريين إلى ديارهم وتعويضهم عن خساراتهم. العمل على صياغة دستور جديد للبلاد يتم التوافق عليه من قبل جميع القوى السياسية، وليس بإملاءات خارجية. إجراء مصالحة وطنية، وانتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة تحت مراقبة دولية لتقوم بتسيير مرافق الدولة. إعادة إعمار البنية التحتية، والمدن المدمرة، وضخ المليارات في الاقتصاد السوري لعودة الانتعاش الاقتصادي والقضاء على التضخم وتدهور العملة السورية. بناء الثقة بين السلطة الجديدة وروابط التعاون بين سوريا والدول الكبرى، والدول العربية والعودة إلى الجامعة العربية.
في هذه الأثناء يتحضر النظام السوري لإجراء انتخابات رئاسية لتجديد ولاية جديدة لبشار الأسد في نيسان/ أبريل المقبل بعد عشر سنوات من الثورة السورية والمجازر والخراب.. فهل يستطيع المجلس العسكري تربيع دائرة المعضلة السورية؟
نشر المقال لأول مرة في جريدة القدس العربي