ودعت الأوساط الثقافية والتاريخية السورية أمس الباحث والمؤرخ الدمشقي عماد الأرمشي، الذي رحل عن عالمنا في دولة الإمارات العربية المتحدة عن عمر ناهز 75 عاماً. الأرمشي، الذي لقب بـ"أمين دمشق"، لم يكن مجرد مؤرخ، بل كان عاشقاً شغوفاً تفانى في توثيق وحفظ الذاكرة البصرية والتاريخية للعاصمة السورية، تاركاً إرثاً معرفياً غنياً يشكل مرجعاً ثميناً للأجيال القادمة.
الباحث الذي سكنته دمشق
ولد عماد الأرمشي في دمشق عام 1951، وعاش طفولته في قلب حي سوق ساروجة العريق، مما غرس فيه ارتباطاً عميقاً بملامح المدينة القديمة وتفاصيلها المعمارية والاجتماعية. نال إجازة في التاريخ من جامعة دمشق عام 1977، لكن شغفه بدمشق تجاوز حدود الأكاديميا، ليتحول إلى مشروع حياة توثيقي شامل.
رغم غربته التي امتدت لعقود في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1982، ظل الأرمشي وفياً لمدينته الأم. كرس وقته، بدءاً من عام 2003، للبحث والتوثيق المصور لأوابد دمشق؛ من مساجدها القديمة، مدارسها، تكاياها، أضرحتها، خاناتها، وصولاً إلى أدق تفاصيل حاراتها وأسواقها وأسرها العريقة. اعتمد في عمله على مزيج فريد من الوثائق التاريخية والصور النادرة ومشاهداته الشخصية التي عاد بها من رحلاته المتكررة إلى دمشق.
أرشيف بصري فريد وإرث لا يُقدر بثمن
يمتلك الأرمشي أرشيفاً ضخماً ونادراً من الصور والمعلومات عن دمشق، لم يُنشر منه سوى جزء يسير عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنابر المتخصصة. هذا الأرشيف يشكل كنزاً معرفياً يمكن أن يكون أساساً لمشاريع توثيقية وطنية كبرى، وهو ما كان الأرمشي يدعو إليه باستمرار، مطالباً بضرورة أن تتبنى جهة وطنية مشروع أرشفته ونشره للحفاظ على الذاكرة الجماعية للمدينة.
العودة الأخيرة والبصمة الخالدة
عقب غياب طويل، عاد الأرمشي إلى دمشق مؤخراً، ليكحل عينيه بمدينته ويلقي مجموعة من المحاضرات الماتعة التي حظيت بحضور واسع وإشادة كبيرة. من "ذاكرة دمشق" في المركز الثقافي بالمزة، إلى محاضراته في المكتبة الوطنية السورية ودار فخري البارودي، كان صوته يحمل أصداء التاريخ ويدعو للحفاظ على هوية دمشق الحضارية. كانت محاضراته شهادة حية على تاريخ دمشق الحديث وتحولاتها، استندت إلى بحث مستمر ومشاهدات مباشرة على مدى سنوات طويلة.
يشكل رحيل عماد الأرمشي خسارة كبيرة للمشهد البحثي والثقافي السوري، غير أن إرثه من الدراسات والمواد التوثيقية والأرشيف البصري، يظل رصيداً معرفياً مهماً، ووصية خالدة من "أمين دمشق" لأبنائها بضرورة صون ذاكرتها وحمايتها من النسيان