ذا هيل: كمين تدمر يعيد سوريا فجأة إلى صدارة الأجندة العالمية

السبت, 27 ديسمبر - 2025
قوات امريكية في سوريا
قوات امريكية في سوريا

عن القدس العربي

أعاد الكمين الذي وقع قرب تدمر وأسفر عن مقتل جنديين أمريكيين إلى جانب مترجم مدني، سوريا فجأة إلى واجهة الاهتمام الدولي. فللمرة الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل عام يُقتل أفراد من القوات الأمريكية داخل الأراضي السورية. هذا العمل الدموي، الذي نفّذه مسلح منفرد صنّفته القيادة المركزية الأمريكية عنصرًا في تنظيم “الدولة الإسلامية”، شكّل تصحيحًا قاسيًا للسردية المريحة التي روّجت لفكرة أن الصراع في سوريا يتراجع ويتجه نحو الانحسار.

ذا هيل: كمين تدمر شكّل تصحيحاً قاسياً للسردية المريحة التي روّجت لفكرة أن الصراع في سوريا يتراجع ويتجه نحو الانحسار

وقد وقع الهجوم أثناء لقاء مهم مع قيادات في قوات الأمن السورية، مسلطًا الضوء على ثغرتين مترابطتين في البيئة التي بدت مستقرة نسبيًا في مرحلة ما بعد الأسد. الأولى تتمثل في قدرة بقايا تنظيم “الدولة الإسلامية” على الصمود، وإن بصورة محدودة. فعلى الرغم من فقدان التنظيم “خلافته” الإقليمية قبل سنوات وتراجع وتيرة عملياته منذ تغيير النظام، إلا أنه نجح في التكيّف متحوّلًا إلى تمرد لامركزي متحرك، أشبه بشبح يتخفى في المساحات الشاسعة غير الخاضعة للسيطرة في صحراء سوريا، مستغلًا الثغرات الأمنية ومناطق الفراغ.

أما الثغرة الثانية، والأكثر خطورة على المدى القريب، فتتجسد في هشاشة الجهاز الأمني السوري الذي أُعيد تشكيله مؤخرًا. إذ تشير تقارير إلى أن منفّذ الهجوم كان عنصرًا حديث الانضمام إلى الأجهزة الأمنية السورية، وقد رُصدت لديه ميول متطرفة قبل أيام فقط، ما يبرز حجم التحدي الكبير الذي تواجهه الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع.

فسوريا، التي لم يمر سوى عام واحد على خروجها من عقود من الحرب الأهلية والاستبداد، تحاول على عجل مأسسة قواتها الأمنية ورفع مستوى احترافيتها من خلال دمج فصائل متباينة، بينها مقاتلون سابقون في صفوف المعارضة. غير أن هذه العملية، بحكم طبيعتها، تبقى عرضة للاختراق، وقد تحوّل الأجهزة المكلّفة بتوفير الأمن إلى ما يشبه “حصان طروادة” للتطرف.

هذا التطور وضع تحديًا سياسيًا معقدًا أمام الرئيس دونالد ترامب. فقد دشّنت إدارته مؤخرًا تحولًا براغماتيًا في العلاقات مع دمشق، انتقلت فيه من العداء الصريح في عهد النظام السابق إلى تعاون حذر وداعم مع السلطات الجديدة. كما أن انضمام سوريا رسميًا في نوفمبر إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش”، عقب الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض، مثّل مكسبًا إستراتيجيًا مهمًا وإن كان بالغ الحساسية. وكان الانخراط العسكري المستهدف قرب تدمر تجسيدًا عمليًا لهذه الشراكة الجديدة.

تعهد الرئيس ترامب بـ”رد شديد الجدية” على الهجوم، وهو تعهد يلبي حاجة سياسية داخلية لإظهار الحزم والقوة. غير أن ترجمة هذا التعهد على الأرض تتطلب حذرًا في التعامل مع تعقيدات المشهد السوري الجديد. فاستجابة عسكرية واسعة قد تقوّض شرعية القيادة السورية الناشئة التي تسعى إلى تثبيت سلطتها وإظهار قدرتها على بسط السيادة.

في هذا السياق، يبدو أن خيارًا دبلوماسيًا مدروسًا قد يكون أكثر جدوى. فالإدانة السريعة التي صدرت عن الحكومة السورية الجديدة، وما أُعلن عن توقيف مشتبهين من تنظيم “داعش” خلال حملة أمنية لاحقة في حمص، يعكسان التزامًا حقيقيًا بالشراكة. وعلى الولايات المتحدة أن تستثمر هذه اللحظة للدفع نحو تعاون أعمق وأكثر بنيوية، يشمل تحقيقات مشتركة لتحديد شبكات تجنيد “داعش” داخل المؤسسات الأمنية السورية وتفكيكها، إلى جانب تبادل استخباري مستدام لمنع تكرار هجمات “الذئاب المنفردة” أو الهجمات من الداخل. مثل هذا النهج يعزز قدرة الدولة السورية، وهي الركيزة الأساسية للاستقرار طويل الأمد، وفي الوقت نفسه يبعث برسالة حزم واضحة من واشنطن.

ذا هيل: إن الطريق إلى الأمام يتطلب مزيجاً دقيقاً من الحذر والحزم.. فالرد ينبغي أن يكون موجّهاً مباشرة إلى خلايا داعش دون تقويض الشراكة الأمنية مع دمشق

وبالتوازي، يعيد كمين تدمر فتح نقاش شائك في واشنطن حول طبيعة الالتزامات الأمريكية طويلة الأمد. فوجود نحو ألف جندي أمريكي في سوريا، يتركز دورهم على مكافحة الإرهاب ودعم الحلفاء المحليين، يشكّل بحد ذاته عامل جذب لمثل هذه الهجمات. وبالنسبة لعائلات القتلى، يعود السؤال المؤلم حول جدوى انتشار مفتوح الأجل في منطقة لطالما سعت الولايات المتحدة إلى تقليص انخراطها فيها.

وتظل المعضلة الأمريكية واضحة وقاسية: انسحاب كامل وسريع قد يخلق فراغًا أمنيًا يستغله تنظيم “داعش” لإعادة تنظيم صفوفه والعودة بقوة، بما قد يستدعي تدخلًا أمريكيًا لاحقًا أكثر كلفة. وفي المقابل، فإن الإبقاء على وجود عسكري ثابت وطويل الأمد يعرّض القوات الأمريكية لهجمات متكررة تقوّض الدعم الشعبي للمهمة.

إن الطريق إلى الأمام يتطلب مزيجًا دقيقًا من الحذر والحزم. ينبغي أن يكون الرد متناسبًا ومحددًا، موجّهًا مباشرة إلى خلايا “داعش” المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ، لا ردًا رمزيًا أو مفرطًا يهدد المكاسب السياسية التي تحققت خلال العام الماضي. والغاية النهائية يجب أن تتمثل في تمكين الحكومة السورية الجديدة من امتلاك أمنها والحفاظ عليه بنفسها. فمقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني تذكير قاتم بأن المخاطر، حتى في “حرب منسية”، لا تزال حاضرة بقوة، وأن معركة القضاء على الإرهاب ليست اندفاعًا خاطفًا، بل سباقًا طويل النفس، وأن التهدئة الهشّة في دمشق تتطلب إدارة استراتيجية دقيقة من واشنطن إذا أُريد لهذا السلام الهش أن يستمر