بين خطاب قسد والوقائع الديموغرافية… أين يقف خطر التقسيم فعلاً؟

بثينة الخليل
الاثنين, 8 ديسمبر - 2025

أثار تداول تصريحات منسوبة للمتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فرهاد شامي، تتضمّن تحذيراً للأهالي من المشاركة في أي تجمعات أو احتفالات، جدلاً واسعاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية فإن الارتباك الأمني الملحوظ، إضافة إلى حالة الاحتقان الشعبي، أعادا الجدل حول مستقبل المنطقة وطموحات قسد السياسية.


قبضة أمنية أم محاولة لتثبيت الأمر الواقع؟

مصادر محلية تقول إن التحذيرات تأتي في بيئة مشحونة بتوترات داخلية، حيث تتكرر حالات الاعتقال والاحتجاجات على سياسات الإدارة الذاتية. 

ويرى محللون أن التضييق على التجمعات في مثل هذه الظروف يعكس خشية قسد من أي حراك مجتمعي، خصوصاً في ظل نقاش متجدد حول مستقبل مناطق شمال وشرق سوريا.


لكن الأهم أن هذه التطورات ترافقت مع تصاعد النقاش حول مشروع “الحكم الذاتي الموسّع”، وما إذا كانت قسد ما تزال تسعى لترسيخ صيغة منفصلة عن الدولة السورية، في وقت تؤكد فيه الحكومة السورية الجديدة أن أي مشروع تقسيمي “خط أحمر” يمس وحدة البلاد.


الحديث عن دولة كردية في سوريا… بين الخطاب والوقائع

على الرغم من أن بعض أجنحة قسد تطرح بشكل مباشر أو غير مباشر ـ نموذجاً سياسياً يقوم على حكم ذاتي واسع الصلاحيات، فإن قراءة الخريطة الديموغرافية السورية تكشف أن أي مشروع انفصالي أو شبه انفصالي غير قابل للتحقق عملياً.


فالوجود الكردي في سوريا لا يشكل شريطاً جغرافياً متصلاً، بل ينتشر عبر مساحات متباعدة، داخل مدن كبرى وريفية، ما يجعل الحديث عن “كيان مستقل” بلا أساس جغرافي يتيح قيامه.


خريطة انتشار الأكراد في سوريا: توزيع غير متصل يمنع قيام أي كيان منفصل

دمشق - حي ركن الدين (الأكراد الشوام)

يعتبر ركن الدين في العاصمة أحد أكبر التجمعات الكردية في سوريا منذ عقود. يشكّل مركزاً حضرياً كبيراً، لكنه غير مرتبط جغرافياً بأي منطقة كردية أخرى، ما يعني أنه لا يمكن أن يدخل ضمن أي “كيان كردي” مفترض.


 حلب — الشيخ مقصود والأشرفية

في مدينة حلب، ينتشر الأكراد بكثافة في الشيخ مقصود والأشرفية. وهذان الحيّان يقعان داخل أكبر مدينة في الشمال السوري، محاطين بأحياء عربية بالكامل، ومنفصلين تماماً عن بقية المناطق التي تديرها قسد شرقي الفرات.


 ريف اللاذقية — جبل الأكراد

في الساحل السوري، يظهر وجود كردي تاريخي في منطقة “جبل الأكراد” شمال اللاذقية. وهو أيضاً تجمع منفصل جغرافياً يقع في بيئة عربية وتركمانية، ولا يرتبط جغرافياً بأي منطقة شرقية أو شمالية تتواجد فيها قسد.


 الجزيرة السورية — الحسكة والقامشلي ومحيطهما

هذا هو التجمع الأكبر والأكثر كثافة، لكنه أيضاً ليس كردياً خالصاً. فالمكوّن العربي يشكّل نسبة كبيرة من سكان دير الزور والرقة وأجزاء واسعة من الحسكة، إضافة إلى السريان والآشوريين.

أي أن المنطقة ليست “إقليماً قومياً متجانساً”، بل فسيفساء سكانية متداخلة.


النفط… ثروة وطنية لا “إقليمية”

الجزيرة السورية تحتوي معظم حقول النفط والغاز، لكن هذه الحقول ملك عام للدولة السورية لا يختص بها مكوّن دون آخر.

ويرى محللون أن أي محاولة لتحويل هذه الثروة إلى “مورد خاص لكيان منفصل” ستواجه رفضاً شعبياً وسياسياً واسعاً، لأنها تمس مفهوم السيادة وتفتح الباب لصراع اقتصادي داخل البلد.


الانقسام الكردي الداخلي… عامل إضافي ضد فكرة “الدولة”

المشهد الكردي نفسه يعاني انقساماً واضحاً:


قسد/حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)


المجلس الوطني الكردي 


شخصيات عشائرية وممثلو مجتمع محلي


هذه الأطراف تختلف جذرياً في الرؤية السياسية وهياكل السلطة، ما يجعل فرض نموذج واحد على أنه “يمثل الأكراد” أمراً غير واقعي.


خلاصة تحليلية: لماذا مشروع التقسيم غير قابل للتحقق؟

استناداً إلى المعطيات الديموغرافية والجغرافية والاقتصادية والسياسية، يمكن القول إن أي مشروع انفصالي في شمال وشرق سوريا يصطدم بعقبات جوهرية:


غياب الامتداد الجغرافي الكردي المتصل


توزع التجمعات الكردية داخل مدن عربية كبيرة


اختلاط المكونات السكانية في مناطق الإدارة الذاتية نفسها


أن النفط مورد وطني لا يمكن احتكاره


وجود انقسام حقيقي داخل البيت الكردي


رفض وطني وإقليمي ودولي لأي كيان أحادي


وبينما تواصل قسد محاولة تعزيز نفوذها الأمني والسياسي، تؤكد الوقائع أن مستقبل المنطقة يتجه نحو حل وطني شامل يدمج جميع المكونات في إطار الدولة، لا نحو أي صيغة انفصالية أو شبه انفصالية.