حمل الرئيس أحمد الشرع معه خلال زيارته الرسمية إلى واشنطن ما يعبّر عن عمق الهوية السورية، مقدّمًا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، نسخة من أقدم نوتة موسيقية مكتملة عرفتها البشرية، تلك التي خرجت من مدينة أوغاريت قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.
اختيار هذا الإهداء منح اللقاء طابعًا ثقافيًا لافتًا، وفتح باب الحديث عن إرث موسيقي ظل طويلًا بعيدًا عن الأضواء..
تعود قصة هذه النوتة إلى عام 1952 حين اكتُشف الرقيم H6، بينما لم يُسمع لحنه إلا في عام 1979 بعد عمل بحثي دقيق.
وهنا يبرز الدور المحوري للأستاذ زياد عجان، ابن مدينة اللاذقية وأحد أبرز موسيقييها، الذي تعاون مع أستاذ الفيزياء راؤول فيتالي لفك رموز الرقيم وتحليل بنيته الفيزيائية والموسيقية.
وتمكّن الاثنان من إعادة إحياء اللحن الأصلي، ليتبين أنه ابتهال ديني باللغة الأوغاريتية الحوارية، وهو ما وضع سورية بشكل واضح على خارطة التاريخ الموسيقي الإنساني.
ويأتي هذا الإنجاز امتدادًا لمسيرة طويلة لعجان، بدأها من اللاذقية عبر فرقة النادي الموسيقي، وشارك من خلالها في النشاطات المدرسية والمسرحية والمهرجانات، قبل أن يقدّم أنشودته الوطنية عام 1958 بمناسبة الوحدة السورية المصرية، ثم مشاركته على مسرح الحمراء بدمشق في العام التالي، ليكمل بعدها دراسته في القاهرة ويحصل على شهادته من المعهد العالي للتربية الموسيقية عام 1964.
وبينما شكّل إهداء الشرع للنوتة الأوغاريتية رسالة ثقافية رفيعة، لفت الانتباه أن ما انتشر على منصات التواصل بكثافة كان خبر الهدية التي قدمها ترمب للشرع والتي كانت عبارة عن عطر يحمل اسم ترمب على حساب القيمة التاريخية الثرية التي حملتها الهدية السورية.
هذا التفاوت في الاهتمام أعاد فتح النقاش حول كيفية حضور التراث السوري في الإعلام، بين مادة ذات بعد حضاري طويل، وتفصيل بروتوكولي أثار الفضول اللحظي.
ومع ذلك، يبقى انتقال نسخة من أول نوتة موسيقية مكتشفة من أوغاريت إلى البيت الأبيض خطوة تحمل دلالتها الخاصة، وتؤكد أن الثقافة السورية لا تزال قادرة على شق طريقها إلى المنابر الدولية، وأن إرثها العميق يمتلك ما يكفي من القوة ليعود إلى الواجهة مهما تغيّرت العناوين.