يشهد قطاع صناعة وتسويق الأسمنت في سوريا حراكًا غير مسبوق منذ سنوات، في ظل اهتمام استثماري متزايد من شركات عربية وأجنبية، وقرارات حكومية تستهدف تحفيز الصناعة المحلية وتهيئة البيئة أمام انطلاقة فعلية لمرحلة إعادة الإعمار التي طال انتظارها بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب.
وقال مدير الشركة العامة لصناعة وتسويق الأسمنت ومواد البناء "العمران"، محمود فضيلة، إن أكثر من 15 شركة من دول عربية وأوروبية أبدت اهتمامًا رسميًا بالاستثمار في مطاحن الأسمنت السورية، بعد إعلان دفتر شروط خاص باستثمار مطاحن معمل طرطوس.
جلسات تعريفية لجذب المستثمرين
وفي خطوة عملية نحو جذب رؤوس الأموال، عقدت شركة "العمران" جلسة تعريفية في مقر شركة إسمنت عدرا بريف دمشق، حضرها ممثلو الشركات المهتمة، التي تنتمي لدول عدة أبرزها: السعودية، الأردن، لبنان، العراق، تركيا، وألمانيا. وهدفت الجلسة إلى شرح الجوانب الفنية والقانونية والمالية للاستثمار في مطاحن معمل طرطوس، كنموذج أولي لمعامل أخرى ستُطرح لاحقًا.
وأوضح فضيلة أن إيقاف إنتاج الكلنكر محليًا، بسبب ارتفاع تكاليفه، دفع بالشركة لاعتماد سياسة استيراده من الخارج وطحنه في المعامل المحلية، ما يسهم في خفض تكاليف الإنتاج وتحقيق وفرة في مادة الأسمنت، التي تُعد أساسًا في أي عملية إعمار.
رفع القيود وتشجيع الإنتاج المحلي
وفي سياق متصل، أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، يوم الأربعاء 21 أيار/مايو، قرارًا بإلغاء الرسوم المفروضة سابقًا على الأسمنت المنتج محليًا في القطاعين العام والخاص. ويهدف القرار إلى "رفع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتشجيع الصناعة المحلية"، وفق نص القرار.
ويُعد هذا القرار استجابة مباشرة للمتغيرات الاقتصادية والسوقية التي فرضتها الحاجة الماسة لمواد البناء، خاصة مع التوسع في مشاريع البنية التحتية في المناطق التي عادت تحت سيطرة الدولة أو الفصائل المعارضة المنخرطة في التسوية السياسية.
مشروع فيحاء... استثمارات سعودية تدخل السوق السورية
ومن أبرز المؤشرات اللافتة على دخول سوريا فعليًا في مسار الإعمار، هو تنفيذ مشروع "فيحاء" لإنتاج الأسمنت الأبيض في مدينة عدرا الصناعية، بالتعاون مع مجموعة الإسمنت الشمالية السعودية. ويأتي المشروع، وفق فضيلة، لسد النقص الحاد في مادة الأسمنت الأبيض التي كانت تُستورد بكميات كبيرة، ما فرض أعباءً إضافية على الاقتصاد السوري.
ووصف فضيلة المشروع بأنه "باكورة حقيقية للاستثمارات السعودية في سوريا"، مؤكدًا أنه نتيجة تنسيق مباشر بين الجهات الاقتصادية في البلدين، ويملك رخصة استثمار رسمية داخل سوريا.
مؤشرات على بدء التعافي الاقتصادي
يرى مراقبون أن التحولات الأخيرة في قطاع الأسمنت تعكس مؤشرات جدية على بداية تعافي الاقتصاد السوري، وربما بدء العد التنازلي لانطلاق مشاريع إعادة الإعمار، خاصة في ظل التحسن النسبي في العلاقات السياسية الإقليمية، وعودة الاهتمام الدولي بإعادة بناء ما دمرته الحرب.
ويرتبط قطاع الأسمنت، كغيره من قطاعات البناء، بسلسلة واسعة من الصناعات والخدمات، مثل النقل، والتشييد، والطاقة، ما يجعله مؤشرًا حساسًا على الحالة العامة للاقتصاد والطلب الداخلي.
وبينما تتجه الحكومة السورية، بالتعاون مع القطاع الخاص وشركاء إقليميين، لتطوير هذا القطاع، يبقى التحدي الأكبر في توفير التمويل الكافي، وتهيئة البيئة التشريعية والأمنية لجذب استثمارات طويلة الأجل.