استخدمت الولايات المتحدة مجددًا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإفشال مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري للقتال في قطاع غزة، في خطوة أثارت استنكارًا واسعًا على المستويين الشعبي والحقوقي، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي الذي دخل شهره التاسع وتسبب بسقوط عشرات الآلاف من الضحايا، غالبيتهم من المدنيين.
الفيتو الأميركي لم يأتِ بمعزل عن السياق العسكري والسياسي الأوسع، إذ تُعد واشنطن المزود الرئيسي للجيش الإسرائيلي بالسلاح، حيث تشير تقارير موثقة إلى أن أكثر من 75% من صفقات التسليح التي تحصل عليها تل أبيب مصدرها الولايات المتحدة. ومنذ بدء العدوان على غزة، أرسلت واشنطن أكثر من 100 ألف طن من الصواريخ والقنابل، من بينها ذخائر خارقة للتحصينات استخدمت في قصف مناطق مكتظة بالسكان.
ولم يتوقف الدعم الأميركي عند التسليح، بل شمل أيضًا تعزيزات عسكرية مباشرة، تمثلت في إرسال بطاريتين من منظومة الدفاع الصاروخي المتقدمة (THAAD)، ونشر ما لا يقل عن 2000 جندي من وحدات النخبة، بينها قوات "دلتا"، في مواقع استراتيجية ضمن المنطقة، بحجة "ردع التهديدات الإقليمية".
ورغم هذا الانخراط الواسع، تواصل واشنطن تقديم نفسها كوسيط نزيه في المساعي السياسية لوقف إطلاق النار، وهي الرواية التي باتت محل تشكيك عميق في الشارع العربي، خاصة مع تكرار استخدام الفيتو لإفشال أي تحرك دولي يهدف لحماية المدنيين الفلسطينيين.
ويرى مراقبون أن الدور الأميركي، سواء في الدعم العسكري أو في حماية إسرائيل سياسيًا داخل المؤسسات الدولية، يجعل من الولايات المتحدة طرفًا مباشرًا في الحرب على غزة، لا مجرد داعم خارجي. كما تذكّر هذه المواقف بتاريخ طويل من التدخلات الأميركية في العالم، من إبادة السكان الأصليين في أميركا الشمالية، إلى استخدام السلاح النووي في اليابان، مرورًا بحروب فيتنام وكوريا والصومال والعراق وأفغانستان، وهي نماذج يرى فيها كثيرون امتدادًا لذهنية "رعاة البقر" التي حكمت السياسات التوسعية منذ نشأة الولايات المتحدة.
وما يفاقم حالة الغضب، هو استمرار بعض الحكومات العربية في التعويل على الوساطة الأميركية، رغم المؤشرات الواضحة على انحيازها الكامل للآلة العسكرية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، تتصاعد الدعوات الشعبية والدبلوماسية إلى إعادة النظر في الرهان على دور واشنطن، والتوجه نحو خيارات إقليمية ودولية أكثر استقلالية وإنصافًا للقضية الفلسطينية.