في مشهد يعكس حيوية الرأي العام وأثره، أعلنت محافظة دمشق تراجعها عن قرار إخلاء مبناها الرئيسي الكائن في ساحة الشهيد يوسف العظمة، بعد موجة من النقاشات المجتمعية والآراء المهنية التي عبّرت عن رفض واسع لفكرة هدم المبنى، لما يحمله من رمزية وذاكرة جماعية لدى الدمشقيين.
وبحسب ما نقلته "سيريانديز"، فقد التقى المحافظ مهند مروان عددًا من شاغلي العقار، مؤكدًا أنه تم التوصل إلى تفاهم يفضي إلى الإبقاء على الوضع القائم، بعد دراسة حلول بديلة تراعي الحاجة الإدارية من جهة، وتحترم آراء المواطنين ومخاوفهم من جهة أخرى.
وأوضح المحافظ أن النية الأصلية للقرار كانت تتعلق باحتياجات إدارية ملحة تهدف إلى تحسين كفاءة العمل والخدمات، إلا أن نبض الشارع ومواقف الخبراء والمختصين لعبت دورًا أساسيًا في إعادة النظر بالقرار، في دلالة واضحة على أن المحافظة تستمع وتتفاعل مع مواطنيها، وتحترم مكونات المدينة التاريخية والثقافية.
وكان الإنذار السابق الصادر عن المحافظة، والذي يطالب بإخلاء المبنى تمهيدًا لهدمه، قد أثار جدلًا واسعًا، لا سيما أن الخطوة وصفت بـ"غير المسبوقة"، حيث بدا أن الجهة المالكة تنذر نفسها، الأمر الذي اعتبره كثيرون تغاضيًا عن البُعد الرمزي والمعماري للمبنى، فضلًا عن التكاليف المالية الكبيرة التي اعتُبرت غير ضرورية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
وقد انقسمت الآراء بين مدافعين عن التراث ورافضين لأي مساس بالهوية المعمارية لدمشق القديمة، وبين من رأى أن التجديد أمرٌ ضروري لنهضة المدينة وتحديث بنيتها الإدارية.
وفي خضم هذا الجدل، برز صوت العقل والتوازن في موقف المحافظة، التي اختارت في النهاية مقاربة تشاركية تأخذ في الاعتبار هموم الناس ومطالبهم، وهو ما أكده محافظ دمشق بالتشديد على أن المحافظة حريصة على مصالح المواطنين ولن تتخذ أي إجراء إلا بعد دراسة معمّقة وتوافق مجتمعي.
هذا التراجع لا يُعد ضعفًا بل يُنظر إليه بوصفه انتصارًا للتفاعل الديمقراطي داخل المؤسسات، ورسالة مفادها أن القرار الإداري حين يتكامل مع الحس الشعبي يكون أكثر نضجًا وفعالية، في وقت تزداد فيه الحاجة لتكاتف الجهود من أجل بناء مدينة دمشق الحديثة دون أن تنفصل عن ماضيها العريق.